(١) من أمثلة استنباط الأحكام من القصص ما ذكره السيوطي في هذا الكتاب من استحباب القيام للعالم ونحوه من قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤].
وهذا الحكم مستنبط من دلالة سياق الآيات، حيث إنّ النّظر في الآيات السابقة من موضع الشاهد تبين أن العلم هو الأمر الذّي فضِّل به آدم ﵇ على الملائكة.
قال ابن كثير ﵀ في تفسيره (١/ ٣٣٤): «هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة، بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم، وهذا كان بعد سجودهم له».
وينبه هنا إلى أن القصة القرآنية تشمل أخبار الأنبياء وغير الأنبياء، والأخبار المستقبلية التي سيقت في سياق القصص، أمّا قصص الأنبياء وما ورد من شرائعهم فالأحكام المستنبطة منها كثيرة عند من يقول بأن شرع من قبلنا شرع لنا. وأما غيرها فقد يكون المأخذ إقرار الله ﷾ وعدم إنكاره، مما يعلم من خلال سياق القصة على مشروعيته.
قال ابن القيم في زاد المعاد (٣/ ١٣٥ - ١٣٦): «ما حكاه الله سبحانه في قصة يوسف من استدلال الشاهد بقرينة قدِّ القميص من دبر على صدقه، وكذب المرأة، وأنه كان هاربًا موليًا، فأدركته المرأة من ورائه فجبذته فقدَّت قميصه من دبر، فعلم بعلها والحاضرون صدقه وقبلوا هذا الحكم وجعلوا الذنب ذنبها، وأمروها بالتوبة وحكاه الله ﷾ حكاية مقرر له غير منكر، والتأسي بذلك وأمثاله في إقرار الله له، وعدم إنكاره، لا في مجرد حكايته فإنه إذا أخبر به مقرًا عليه، ومثنيًا على فاعله ومادحًا له، دلَّ على رضاه به، وأنه موافق لحكمه ومرضاته، فليتدبر هذا الموضع، فإنه نافع جدًا».
(٢) هناك أقوال أخر في الحصر لم يذكر أصحابها دليلًا على الحصر؛ لذا كان القول بعدم الحصر هو الأظهر.
قال الطوفي في شرح مختصر الروضة (٣/ ٤١٥): «والصّحيح أن هذا التقدير غير معتبر، وأن مقدار أدلة الأحكام في ذلك غير منحصر، فإن أحكام الشرع كما تستنبط من الأوامر والنواهي؛ كذلك تستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها، فقلَّ آية من القرآن الكريم إلّا ويستنبط منها شيء من الأحكام وإذا أردت تحقيق هذا، فانظر إلى كتاب أدلة الأحكام للشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكأن هؤلاء الذين حصروها في خمسمئة آية إنما نظروا إلى ما قصد منه بيان الحكم دون ما استفيدت منه، ولم يقصد به بيانها».
وقال القرافي في شرح التنقيح (٤٧٦): «فلا تكاد تجد آية إلّا وفيها حكم، وحصرها في خمسمئة آية بعيد».