للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في كتاب الإمام: إنما ضرب الله الأمثال (١) في كتابه تذكيراً ووعظاً (٢) فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب أو على إحباط عمل أو على مدح أو ذم أو نحوه فإنه يدل على الأحكام، ثم قال: ومعظم أي القرآن لا تخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جميلة (٣).

(١) أمثال القرآن قسمان -كما يقول السيوطي في الإتقان- ظاهر مصرح بلفظ المثل كقوله: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ [البقرة: ١٧] وكامن لا ذكر للمثل فيه.

ومن أمثلة الأمثال المستنبط منها أحكام شرعية، وهي من القسم الأول، قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [النحل: ٧٥]

قال السيوطي في هذا الكتاب الإكليل (٢/ ٩٠٥): «استدل به الشافعي على أن العبد لا يملك. واستدل به من قال: إنّه لا يملك الطّلاق أيضا، وأن طلاقه بيد سيده، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: [ليس للعبد طلاق إلا بإذن سيده وقرأ هذه الآية]»

ووجه الاستنباط: أن كلمة (شيء) نكرة في سياق النفي، فتعمّ كل شيء: المال والطلاق.

ومن أمثلة استنباط الحكم من الأمثال الكامنة، قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧]

ذكره السيوطي في الإتقان (٥/ ١٩٣٦). من أمثال العرب وقولهم: [خير الأمور أوساطها]

وقال في الإكليل (٣/ ١٠٥٧): «فيه ذم الإسراف والإقتار في النفقة ومدح التوسط».

(٢) نقل المصنف عن العزّ بعض مقاصد القرآن من ضرب الأمثال، وهي الوعظ والتّذكير. وذكر في الإتقان (٥/ ١٩٣٣ - ١٩٣٤) مقاصد أخرى.

والوعظ والعظة والموعظة هو: النصح والتذكير بالعواقب، ونقل ابن منظور عن ابن سيدة قوله: «هو تذكيرك للإنسان بما يلين قبله من ثواب وعقاب» كما في لسان العرب (٧/ ٤٦٦).

وقال الراغب الأصفهاني في معجم ألفاظ القرآن (٥٦٤): «الوعظ: زجر مقترن بتخويف. قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب».

فالوعظ في الأصل هو التّذكير بالعواقب سواء بالتّرغيب أو التّرهيب.

والتّرغيب بالفعل من خاصية الواجب والمندوب، والترهيب من خاصية المحرم في جانب الفعل، أو الواجب في جانب الترك، فدلالة التذكير والوعظ على الأحكام ظاهرة.

(٣) ختم العزّ كتابه العظيم (الإمام في بيان أدلة الأحكام) بهذه العبارات بعد أن فصَّل في الأساليب الشّرعيّة الدّالة على الأحكام، وقال بعدها (٢٨٤): «جعلها الله نصائح لخلقة مقربات إليه مزلفات لديه، رحمة لعباده، فطوبى لمن تأدب بآداب القرآن،، وتخلق بأخلاقه الجامعة لخير الدنيا والآخرة».

<<  <   >  >>