ثم من الآيات ما صُرِّح فيه بالأحكام (١)، ومنها: ما يؤخذ بطريق الاستنباط (٢) إما بلا ضمٍّ إلى آية أخرى كاستنباط تحريم الاستمناء من قوله: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: ٧] (٣)، وصحة أنكحة الكفار، من قوله: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ [المسد: ٤] (٤)، وصحة صوم الجنب من قوله: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ إلى قوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ﴾ [البقرة: ١٨٧] الآية (٥).
(١) وهذا هو أكثر ما في القرآن، وسيأتي تفصيل ذلك عند قول المصنف: «قال الشيخ عزّ الدّين: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر … إلى آخر المقدمة.
(٢) أي يكون فيه شيء من الخفاء، والاستنباط هو: استخراج ما خفي المراد به من اللفظ، كما يقول العلماء.
أو: استخراج الأمر الذّي من شأنه أن يخفى على غير المستنبط.
تهذيب الأسماء واللغات للنووي (٤/ ١٥٨)، إعلام الموقعين لابن القيم (١/ ١٧٢) منهج الاستنباط من القرآن للوهبي (٣٥)
(٣) قال السيوطي في هذا الكتاب الإكليل (٣/ ١٠٠٠): «واستدل به مالك والشافعي أيضًا على تحريم الاستمناء باليد». ووجه الاستنباط: أنّه لما حصر الله تعالى إباحة الاستمتاع في الزوجة وملك اليمين، دلّ ذلك على حرمة الاستمناء باليد؛ لخروجه عن هذين القسمين، وذلك بناء على مفهوم الحصر بالاستثناء. ينظر: منهج الاستنباط من القرآن للوهبي (١٢٥).
(٤) قال السيوطي في الإكليل (٣/ ١٣٥٣): «قوله: ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ استدل به الشافعي على صحة أنكحة الكفار».
ووجه الاستنباط: أن الله ﷾ أضاف النساء إليهم، وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة، والأصل في الإطلاق الحقيقة. ينظر: حاشية (٥) منهج الاستنباط من القرآن للوهبي (١٢٦).
(٥) قال السيوطي في الإكليل (١/ ٣٥٩): «واستدل به على صحة صوم الجنب؛ لأنّه يلزم من إباحة الجماع إلى تبين الفجر إباحته في آخر جزء من أجزاء الليل، ويلزم من ذلك بطريق الإشارة طلوع الفجر وهو جنب».
وذكر السيوطي في كلامه السّابق بناء المسألة على أصلين ومأخذين:
الأول: دلالة الغاية في قوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾ أي: جواز المباشرة إلى التبين، ومفهوم هذه الدلالة عدم وجوب الاغتسال عليه قبل الفجر؛ لأنّه إذا كانت المباشرة مأذونًا فيها إلى الفجر لم يمكنه الاغتسال إلّا بعد الفجر.
الثاني: دلالة الإشارة؛ فإنّه يلزم من تأخير الجماع إلى تبين الفجر، أنّه لا يغتسل إلّا بعد طلوع الفجر.
وقول السيوطي: «ويلزم من ذلك بطريق الإشارة» بيان لوجه هذه الدلالة كونها تدل على المعنى من جهة اللزوم العقلي.
ودلالة الإشارة هي: دلالة اللفظ على معنى ليس مقصودًا باللفظ في الأصل، ولكنه لازم للمقصود، فكأنه مقصود بالتّبع لا بالأصل. ينظر: مذكرة أصول الفقه للشنقيطي (٢٣٦).