وإما به (١) كاستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] مع قوله: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] (٢).
قال الشيخ عز الدين: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر (٣)،
(١) أي: بضم أية أخرى، وتسمى عند بعض العلماء ب دلالة التركيب، وهي داخلة في دلالة الإشارة.
ينظر: منهج الاستنباط من القرآن للوهبي (١٣٢، ٣٥١).
(٢) قال السيوطي في الإكليل (٣/ ١١٨١): «قوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ استدل به علي بن أبي طالب على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر مع قوله: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾»، ثم ذكر قصة هذا الاستنباط.
ووجه الاستنباط: أن الله تعالى بيَّن في أية البقرة مدة الرضاع حولين كاملين، وهي أربعة وعشرين شهرًا، وبيَّن في أية الأحقاف مدّة الحمل والفصال ثلاثين شهرًا؛ فإذا أخذ منها مدّة الفصال بقي للحمل ستة أشهر. ينظر: منهج الاستنباط من القرآن للوهبي (١٣٤).
(٣) ظهور ذلك يمكن تقريبه فيما يلي:
أولًا: الأحكام الشّرعيّة التّكليفية هي: الوجوب والندب والإباحة، والتحريم والكراهة.
ثانيا: هذه الأحكام مطلوبة من الشارع، إمّا طلب فعل أو طلب ترك، وقد يستوي فيها الفعل أو الترك، والأخير هو المباح، على خلاف في دخوله في مسمى الحكم التكليفي.
أمّا طلب الفعل فهو: إمّا أن يكون طلبًا جازمًا وهو الواجب، أو طلبًا غير جازم وهو النّدب.
وطلب الترك: إمّا أن يكون طلب ترك جازم وهو المحرم، أو غير جازم وهو المكروه.
وطلب الفعل هو الأمر به، وصيغته صيغة الأمر، وهي: (افعل) للحاضر، والفعل المضارع المجزوم بلام الأمر (لتفعل) للغائب، واسم الفعل، والمصدر، وهذه الصيغ عند الإطلاق تحمل على الوجوب، وقد تصرف من الوجوب إلى النّدب أو الإباحة بصارف من الصوارف، والصوارف متعددة.
وطلب الترك هو النهي، وهو عند الإطلاق يحمل على التحريم، وقد يصرف من التحريم إلى الكراهة، وصيغته: الفعل المضارع المجزوم بلا الناهيّة (لا تفعل).
وعليه: فقد يستدل على الوجوب والندب والإباحة بإحدى صيغ الأمر الأربعة، وقد يستدل على التّحريم والكراهة بصيغة النهي (لا تفعل) وهذا ما أشار إليه المصنف نقلًا عن العزّ بقوله: «ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة» وانظر: الإمام في بيان أدلة الأحكام (٧٩).