وقال أبو حنيفة لو كان راجعاً إليه لقال: ذلك على من (١).
واختلف هل المراد بالمكي حاضر مكة ولو كان غريباً، أو شرطه الاستيطان على وجهين عندنا، مستند الثاني قوله: ﴿أَهْلُهُ﴾.
واستدل بالآية من رأى وجوب الدم على من عاد لإحرام الحج (٢) إلى الميقات لعمومها، ومن أوجب الجمع في هذا الدم بين الحل والحرم فلا يجوز شراؤه من الحرم ونحره فيه؛ لأن الهدى مأخوذ من الهدية فيجب أن يهدى من غير الحرم إليه، ومن جوز صوم أيام التشريق عن الثلاثة (٣).
وفي الآية رد على من أجاز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحج (٤) في العمرة أو بعدها (٥)، وعلى من أجاز صوم السبعة أيضاً في الحج.
(١) الجمهور يقولون بذلك، وأنّ اللام في قوله: ﴿لِمَنْ﴾ بمعنى: (على).
(٢) أي: عاد بعد الانتهاء من الحج إلى عمرة في أشهر الحج، ذكره ابن الفرس (١/ ٢٤٨).
ووجه العموم: «إنّ الآية لم تفرق بين أن تكون العمرة في سفرٍ واحدٍ أو سفرين، قال القرطبي في جامعه (٢/ ٣٩٦): «لم يستثن راجعًا إلى أهله وغير راجع».
(٣) لأنّ أيام التشريق، أيام رمي للجمار، وهي أيام الحج؛ لأن الرمي عمل من أعمال الحج خالصًا، وإن لم يكن من أركانه -على خلاف- وعلى هذا يكون صيام أيام التشريق أداء.
ومن قال: أيام الحج تنتهي بيوم النحر، قال: بأن صيام التشريق قضاء.
(٤) أخذًا بقوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ ومن أشهره شوال، فجاز الصيام فيه.
(٥) أي: قبل عمرة المتمتع أو بعدها، وهذا إذا أريد بقوله: ﴿فِي الْحَجِّ﴾ الأفعال التي هي عمدة للحج، وما سماه النبي ﷺ حجاً، وهو الوقوف بعرفة.
قلت: إلّا أن الصيام يكون أيام التشريق؛ لأنّ يوم عرفة يكون بعد الزوال، ويستحيل صوم الثلاثة الأيام في الحج، ولما كان مستحيلا كانت الآية ردًا عليهم.
وما ذكره من احتمال -وهو أن المقصود بقوله: ﴿فِي الْحَجِّ﴾ الأفعال التي هي عمدة للحج- أبطله الجصاص (١/ ٣٥٦) للأمور الآتية:
١. لعدم الخلاف في جواز الصوم قبل يوم عرفة.
٢. أن الاحتمال الثاني، وهو أن المراد ﴿فِي الْحَجِّ﴾ إحرام الحج (أي: متى ما أحرم)
أو المراد أشهر الحج؛ لقوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾. وذكر أن سبب الصيام التمتع لقوله ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ﴾ فإذا وجد الإحرام بالعمرة، فإنّه يجوز تقديم سببه، وهو الصيام عن وقت وجوبه، كتعجيل الزكاة في الوجوب عند ملك النصاب ووجوبها.