الحافظ ابن حجر العسقلاني عن هذا، فقال -كما في الموضع السابق من كتابه-: (هذا حديث غريب لولا هذا المبهم لكان سنده حسناً، لكن فيه ما ينكر وهو السؤال عن الروح ونزول الآية فيها وأن ذلك وقع بمكة، والثابت في الصحيحين أن ذلك كان بالمدينة وقع مصرحاً به في رواية ابن مسعود).
قلت: يشير الحافظ ابن حجر العسقلاني إلى ما أخرجه البخاري (١٢٥ و ٤٧٢١ و ٧٢٩٧ و ٧٤٥٦ و ٧٤٦٢) ومسلم (٢٧٩٤) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال: بينا أنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حرث، وهو متكئ على عسيب، إذ مر اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رأيكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يرد عليهم شيئاً، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي فلما نزل الوحي، قال:{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}[الإسراء: ٨٥]
ويحتمل أن قريشاً سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الروح في قصة أخرى مشابهة لما في الصحيحين فقد جاء في جامع الترمذي من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، فقال: سلوه عن الروح، فسألوه عن الروح، فأنزل الله -تعالى- {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}[الإسراء: ٨٥]، قالوا: أوتينا علماً كثيراً أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزلت {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر}[الكهف: ١٠٩] إلى آخر الآية. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (١)
(١) رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل، حديث (٣١٤٠) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (٨/ ٢٥٣): (رجاله رجال مسلم)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (٣١٤٠).