للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قال الخطابي: (إن الذي وقع في هذه الرواية بالنسبة للتدلي للجبار-عز وجل- مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر، وقد روي هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك فلم يذكر فيه هذه الألفاظ الشنيعة، وذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من جهة شريك.

وقال عبدالحق الإشبيلي في الجمع بين الصحيحين: (زاد فيه شريك زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى الإسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك وهو ليس بالحافظ).

وقال الحافظ ابن كثير (١): (هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد، ورواه في صفة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه أبي بكر عبد الحميد، عن سليمان بن بلال. ورواه مسلم عن هارون بن سعيد، عن ابن وهب، عن سليمان قال: فزاد ونقص وقدم وأخر، وهو كما قال مسلم فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه كما سيأتي بيانه -إن شاء الله- في الأحاديث الأخر، ومنهم من يجعل هذا مناماً توطئة لما وقع بعد ذلك، والله أعلم. وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها، على مذهب من زعم أنه-صلى الله عليه وسلم- رأى الله -عز وجل- يعني قوله: {ثُمَّ دَنَا} الجبار رب العزة {فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}.

قال: وقول عائشة، وابن مسعود، وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح. وهذا الذي قاله البيهقي -رحمه الله- في هذه المسألة هو الحق، فإن أبا ذر قال: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه) وفي رواية: (رأيت نوراً) أخرجه مسلم، وقوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} إنما هو جبريل -عليه السلام-، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم


(١) تفسير القرآن العظيم (٥/ ٧ - ٨) ط. دار طيبة.

<<  <   >  >>