البكائي) عنه، وهو مختلف فيه، وثبته بعضهم في روايته عن ابن إسحاق في (المغازي)، وهذه منها، فهو حجة فيها لولا المخالفة للثقتين المذكورين، فإن سلمت من التدليس؛ فما هي بسالمة من الإرسال. والله أعلم.
وإذا ثبت ضعف إسناد الحديث، فقد جاء دور بيان نكارة متنه، فإن قوله:
" حاسراً " يعني: ليس على بدنه درع ولا مغفر - كما في " النهاية "-، فمن المستبعد جداً أن يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- من كان عليه درع أن ينزعها؛ وأن يقاتل العدو حاسراً، فإن هذا ينافي كل المنافاة مبدأ الأخذ بأسباب الوقاية الممكنة، والإعداد المأمور به في الآية الكريمة:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}(الأنفال: ٦٠)، كما ينافي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته العملية في الجهاد، وقتاله للأعداء، مع كونه أشد الناس شجاعة وتوكلاً على الله، فقد صح عنه أنه كان يضع البيضة (الخوذة) على رأسه. (البخاري: ٢٩٠٢) وأنه هشمت على رأسه يوم أحد. (البخاري: ٢٩١١)، كما صح (فيه: ٢٩٠١) أنه تترس بالترس، وأنه تدرع بالدرع يوم أحد. (٢٩١٥) بل ثبت في " السنن" أنه تظاهر فيه بين درعين. (صحيح أبي داود: ٢٣٣٢)، ودخل مكة يوم الفتح وعليه مغفر. متفق عليه (مختصر الشمائل: رقم ٩١).
وليس هذا فقط؛ بل صح عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه استعار من صفوان بن أمية مئة درع وما يصلحها من عدتها. (الإرواء: ٥/ ٣٤٥). وهذا من اهتمامه بالأخذ بالأسباب، والمحافظة على حياة المجاهدين معه - صلى الله عليه وسلم-.
فليس من المعقول -إذن- أن يصدر منه - صلى الله عليه وسلم- الحض على مخالفة هديه -صلى الله عليه وسلم-، وهو القائل:"وخير الهدي هدي محمد ". رواه مسلم.
فثبت بما تقدم أن متن الحديث منكر، وهو ظاهر جداً.
وفي القصة نكارة أخرى، وهي قذف عوف -رضي الله عنه- للدرع؛ فإنه يدخل في باب إضاعة المال المنهي عنه في حديث المغيرة -رضي الله عنه- في " الصحيحين " وغيرهما، وما كان للنبي- صلى الله عليه وسلم-، ولا أن يقر ذلك؛ بله أن يحض على ما ينتج، أو يكون سبباً لذلك.