نعم؛ يمكن أن يقع نحوه من بعض المجاهدين باجتهاد منه مأجور أجراً واحداً، أو لغلبة حب الاستشهاد في سبيل الله، والنكاية في أعداء الله؛ كما جاء في قصة استشهاد جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- في غزوة (مؤتة)، حين اقتحم عن فرسه وعقرها، ثم قاتل حتى قتل -رضي الله عنه-. (صحيح أبي داود: ٢٣١٨)، فهذا مغتفر منه؛ لأنه كان عن اجتهاد منه؛ كما قال الحافظ في " الفتح "(٦/ ٩٧)، واستدل على ذلك بقوله:"والأصل عدم جواز إتلاف المال؛ لأنه يفعل شيئاً محققاً في أمر غير محقق ".
قلت: وهذا هو العلم والفقه الصحيح، وقد أشار إلى ذلك الإمام البخاري بقوله في " صحيحه ": باب: من لم ير كسر السلاح عند الموت". وإن مما لا شك فيه أن القذف المذكور في القصة يدخل في هذا الباب وفي الأصل المتقدم عن الحافظ؛ كما هو جلي ظاهر.
هذا؛ ولقد كان من البواعث على تخريج هذا الحديث أنني قرأت في " جريدة السبيل " (العدد ١٢١ - السنة الثالثة) مقالاً كتبه دكتور في الجامعة، ساق هذا الحديث مستدلاً به على بعضِ المسائل، قائلاً:
"وإنما جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الدخول في مواجهة العدو للقتل من أرفع أنواع الجهاد عندما قال -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي سأله قائلاً: ما الذي يضحك الرب من عبده؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أن يغمس يده في العدو حاسراً حافراً (كذا). أي: أن يتوجه إلى العدو من غير درع يقيه السهام والرماح ".
قلت: لما قرأت هذا الحديث استغربته؛ لعدم وروده في دواوين السنة المشهورة، ولأن ظاهره مخالف للأدلة القاضية بوجوب الأخذ بوسائل القوة في الجهاد - كما تقدم -، ولكني لما كنت أرى أن هذا لا يكفي في رد الحديث وتضعيفه؛ لاحتمال أن يكون ثابتاً في بعض كتب الحديث، وأن يكون له وجه من المعنى غير ظاهر لنا، كما أنه لا يكفي أن يحكم على الحديث بالصحة لمجرد صحة معناه؛ بل لابد في كل من الحالتين من الرجوع إلى علم الحديث وقواعده، والبحث عن إسناده؛