دون أي تنبيه على ضعفه، وعزوه لمصدر من كتب السنة التي تروي الأحاديث بأسانيدها ليتيسر لطالب العلم الرجوع إليها إذا أراد التثبت منها؛ لاسيما وفي آخره لفظ:"حافراً "، وليس له ذكر في شيء من المصادر الثلاثة المتقدمة، ولا فهمت له معنى مناسباً هنا.
وأقول الآن: لعل أصل الحديث ما رواه الإمام أحمد في " مسنده "(٥/ ٢٨٧) بإسناد صحيح عن نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:" الَّذِينَ إِنْ يُلْقَوْا فِي الصَّفِّ لَا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ فِي الْغُرَفِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ ". وقد سبق تخريجه في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " برقم (٢٥٥٨) من المجلد السادس، وهو تحت الطبع، وهو وشيك الصدور إن شاء الله تعالى (١).
قلت: فهذا يغني عن حديث الترجمة الضعيف، ويقوم مقامه في الاستدلال لمواجهة الأعداء للقتل بنية الجهاد في سبيل الله، والنكاية بهم؛ دون أن يكون فيه نكارة ما.
ونحوه قصة عمير بن الحُمام الأنصاري في غزوة بدر من حديث أنس بن مالك قال: … فدنا المشركون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ". قال عمير: يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؛ قال: بخٍ بخٍ. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ما يحملك على قولك: بخٍ بخٍ؟ ".
قال: لا والله يا رسول الله! إلا رجاء أن أكون من أهلها. فأخرج تمرات من قَرنه، فجعل جمل منهن، ثم قال: لئن أنا حَيِيتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة! قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل -رضي الله عنه-. أخرجه مسلم (٦/ ٤٤).
(١) صدر في حياة الشيخ -رحمه الله- وبإشرافه، والسابع منها - وهو الأخير - طبع بعد وفاته بأقسامه الثلاثة. (الناشر: دار المعارف بالرياض).