خلافه, منها ما روى مالك ومعمر وغيرهما عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب في حديث السقيفة أنه خطب يوم جمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال, أما بعد فإِني أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها من وعاها وعقلها وحفظها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته, ومن خشى أن لا يعيها فإِني لا أحل له أن يكذب علي, إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل معه الكتاب فكان مما أنزل معه الرجم. وذكر الحديث.
وهذا يدل على أن نهيه عن الإِكثار وأمره بالإِقلال من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان خوف الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوفاً أن يكونوا مع الإِكثار يحدثون بما لم يتيقنوا حفظه ولم يعوه لأن ضبط من قلت روايته أكثر من ضبط المستكثر وهو أبعد من السهو والغلط الذي لا يؤمن مع الإِكثار. فلهذا أمرهم عمر بالإِقلال من الرواية. ولو كره الرواية وذمها لنهى عن الإِقلال منها والإِكثار. ألا تراه يقول فمن حفظها ووعاها فليحدث بها فكيف يأمرهم بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينهاهم عنه. هذا لا يستقيم, بل كيف ينهاهم عن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بالإِقلال منه وهو يندبهم إلى الحديث عن نفسه بقوله «من حفظ مقالتي ووعاها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته, ثم قال ومن خشي أن لا يعيها فلا يكذب علي» وهذا يوضح لك, ما ذكرنا والآثار الصحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا, وإنما يدور على بيان عن الشعبي وليس مثله حجة في هذا الباب لأنه يعارض السنن والكتاب قال الله جل وعز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقال (وما آتاكم الرسول فخذوه) وقال فيه (النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته) وقال (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم, صراط الله) ومثل هذا في القرآن كثير, ولا سبيل إلى اتباعه والتأسي به والوقوف عند أمره إلا بالخبر عنه, فكيف يتوهم أحد على عمر أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها» الحديث, وفيه الحظ الوكيد على التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم وقال «خذوا عني» في غير ما حديث «وبلغوا عني» والكلام في هذا أوضح من النهار لأولي النهى والاعتبار.
ولا يخلو الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يكون خيراً أو شراً فإِن كان خيراً ولا شك فيه أنه خير فالإِكثار من الخير أفضل وإن كان شراً