يؤيد ما ذهب إليه من الاستغناء بالقرآن ورفض الأحاديث الصحيحة واطراحها. وقد تبين من صنيعه في هذا الموضع وفيما سيأتي من طعنه في أبي هريرة رضي الله عنه وفي أحاديثه أنه يدور مع هواه ورأيه الفاسد حيثما دار وقد قال الله تعالى (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
الوجه الثالث أن يقال ليس في حديث «بعثت بجوامع الكلم» ولا في الحديث الآخر ما يدل على استغناء النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن عن التحدث بغيره كما قد توهم ذلك المؤلف, وكون القرآن أعظم المعجزات لا يدل على الاستغناء به عن السنة لأن السنة تفسر القرآن وتبين معانيه وما أراد الله منه قال الله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) فلولا بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن بما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة لما عرف الناس كثيراً مما أجمل في القرآن.
الوجه الرابع أن يقال لولا تحديث النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وتعليمه إياهم لما عرف الناس كيف يتوضئون وكيف يصلون وكيف يزكون وكيف يحجون, وكذلك كثير من أصول الدين وفروعه إنما عرفها الناس من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم, ولا ينكر هذا إلا من هو من أجهل الناس وأشدهم غباوة.
الوجه الخامس أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على التمسك بسنته كما حثهم على التمسك بالقرآن فقال صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ» رواه الإِمام أحمد وأهل السنن من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم والذهبي.
وروى مالك في الموطأ بلاغاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله» وقد رواه الحاكم في مستدركه موصولاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال - فذكر الحديث وفيه - «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه».
قال الحاكم قد احتج البخاري بأحاديث عكرمة واحتج مسلم بأبي أويس