الوجه الثالث أن يقال الذي نص عليه الإِمام أحمد رحمه الله تعالى أن الإِسراء كان يقظة هو القول الصحيح, قال النووي في شرح مسلم نقلا عن القاضي عياض أنه قال اختلف الناس في الإِسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل إنما كان جميع ذلك في المنام والحق الذي عليه أكثر الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده صلى الله عليه وسلم, والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل ولا استحالة في حملها عليه فيحتاج إلى تأويل انتهى.
وقال ابن كثير في تفسيره الأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناما ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناما ثم رآه بعده يقظة لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح, والدليل على هذا قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظما ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم, وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال (أسرى بعبده ليلاً) وقال تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال ابن عباس هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به, والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم, رواه البخاري, وقال تعالى (ما زاغ البصر وما طغى) والبصر من آلات الذات لا الروح, وأيضا فإِنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان إنما يكون هذا للبدن لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه والله أعلم انتهى.
وقال ابن كثير أيضاً في «البداية والنهاية» مذهب جمهور السلف والخلف أن الإِسراء كان ببدنه وروحه صلوات الله وسلامه عليه كما دل على ذلك ظاهر السياقات من ركوبه وصعوده في المعراج وغير ذلك انتهى.
وأما قوله وفي البخاري من حديث شريك أن الإِسراء كان مناما
فجوابه أن يقال قد تكلم العلماء في رواية شريك, قال النووي قد جاء في رواية شريك في هذا الحديث أوهام أنكرها عليه العلماء وقد نبه مسلم على ذلك بقوله فقدم وأخر وزاد ونقص, وقال الحافظ عبد الحق في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد