كذبكم إنما التوراة ككتابكم إلا أن كتابكم جامع (يسبح لله ما في السموات وما في الأرض) وفي التوراة يسبح لله الطير والشجر وكذا وكذا وإنما الذي يحدث به كعب عما يكون من كتب أنبياء بني إسرائيل وأصحابهم كما تحدثون أنتم عن نبيكم وعن أصحابه.
وقد روى البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية رضي الله عنه يحدث رهطاً من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب.
قلت ليس المراد بالكذب ههنا الافتراء وإنما المراد به الخطأ في النقل عن أهل الكتاب وهو مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم «كذب أبو السنابل» أي أخطأ حين قال لسبيعة الأسلمية إنك لست بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بأيام فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها قد خرجت من العدة بوضع الحمل وأمرها بالتزويج إن بدا لها. وقال ابن حبان في كتاب «الثقات» أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذاباً, وقال ابن الجوزي المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً لا أنه يتعمد الكذب وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار. انتهى من فتح الباري.
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب وقد وقع ذكر الرواية عنه في مواضع في مسلم في أواخر كتاب الإِيمان, وفي حديث أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه «إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران» قال فحدثت به كعباً فقال كعب ليس عليه حساب ولا على مؤمن مزهد انتهى.
وقد ذكر الحافظ كعباً في تقريب التهذيب وقال ثقة من الثانية, وقد تقدم قول النووي أنهم اتفقوا على توثيقه, وقد روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عن جرادات قتلها وهو محرم فقال عمر رضي الله عنه لكعب تعال حتى نحكم, وذكر تمام الحديث, وقد قال الله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) فلولا أن كعباً عدل عند عمر رضي الله عنه لما أمره أن يحكم معه في جزاء الصيد, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» رواه الإِمام أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث