ولا يكادون يرضون قربانه, وفي هذا من الإِسراف - إذا غلا الناس فيه - شيء كثير, ولا يزال الذباب يلح على الناس في طعامهم وشرابهم وفي نومهم ويقظتهم وفي شأنهم كله, وقد كشف الأطباء والباحثون عن المكروبات الضارة والنافعة وغلوا غلوا شديداً في بيان ما يحمل الذباب من مكروبات ضارة حتى لقد كادوا يفسدون على الناس حياتهم لو أطاعوهم طاعة حرفية تامة, وإنا لنرى بالعيان أن أكثر الناس تأكل مما سقط عليه الذباب وتشرب فلا يصيبهم شيء إلا في القليل النادر, ومن كابر في هذا فإِنما يخدع الناس ويخدع نفسه, وإنا لنرى أيضا أن ضرر الذباب شديد حين يقع الوباء العام, لا يماري في ذلك أحد, فهناك إذاً حالان ظاهرتان بينهما فروق كبيرة, أما حال الوباء فمما لا شك فيه أن الاحتياط فيها يدعو إلى التحرز من الذباب وأضرابه مما ينقل المكروب - أشد التحرز. وأما إذا عدم الوباء وكانت الحياة تجري على سننها فلا معنى لهذا التحرز, والمشاهدة تنفي ما غلا فيه الغلاة من إفساد كل طعام أو شراب وقع عليه الذباب, ومن كابر في هذا فإِنما يجادل بالقول لا بالعمل, ويطيع داعي الترف والتأنق, وما أظنه يطبق ما يدعو إليه تطبيقا دقيقا, وكثير منهم يقولون ما لا يفعلون انتهى كلامه رحمه الله تعالى ولقد أجاد فيه وأفاد سوى كلمة واحدة وهي قوله «وثق أني لا يهمني ولا يغضبني أن تقول في السنة ما تشاء» فهذه كلمة غير مرضية لأن الواجب عليه وعلى غيره من أهل العلم أن يهمهم القول في السنة بما لا يليق وأن يغضبوا أشد الغضب من الطعن في الأحاديث الصحيحة ومعارضتها بالآراء الفاسدة.
وأما قول المؤلف تبعاً لأبي رية وروى الطبراني في الأوسط عنه عن النبي - ص - أتاني ملك برسالة من الله عز وجل ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى في الأرض لم يرفعها.
فجوابه أن يقال وما ينكر أعداء السنة من عظم خلق بعض الملائكة فقد روى البخاري عن زر قال حدثنا عبد الله - يعني ابن مسعود - رضي الله عنه «أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح».
وروى الإِمام أحمد بإِسناد جيد عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق».