حقا لا مخرج منه ولا عذر فيه ولا تأويل له إلا ما ذهب إليه لكان حقيقا بترك ذكره والإِعراض عنه إذ كان قليلا يسيراً مغمورا في جنب محاسنهم وكثير مناقبهم وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلهم مهجهم وأموالهم في ذات الله تعالى.
ثم رد ابن قتيبة على أقوال النظام رداً مفصلا فليراجع ذلك في أول كتابه «تأويل مختلف الحديث».
الوجه الثاني أن يقال إن أبا هريرة رضي الله عنه كان يفتي بما رواه عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ» رواه الإِمام أحمد بإِسناد صحيح على شرط الشيخين. ولما أخبره عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم» قال أبو هريرة رضي الله عنه هما أعلم ورجع عن قوله.
وقوله هما أعلم أي بهذه القضية لأنهما أخبرتاه عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء لا يطلع عليه إلا نساؤه وهو أنه كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم.
قال النووي في شرح مسلم لعل سبب رجوعه أنه تعارض عنده الحديثان فجمع بينهما وتأول أحدهما وهو قوله من أدركه الفجر جنباً فلا يصم وفي رواية مالك أفطر فتأوله على ما سنذكره من الأوجه في تأويله إن شاء الله تعالى. فلما ثبت عنده أن حديث عائشة وأم سلمة على ظاهره وهذا متأول رجع عنه وكان حديث عائشة وأم سلمة أولى بالاعتماد لأنهما أعلم بمثل هذا من غيرهما ولأنه موافق للقرآن فإِن الله تعالى أباح الأكل والمباشرة إلى طلوع الفجر قال الله تعالى (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) والمراد بالمباشرة الجماع ولهذا قال الله تعالى (وابتغوا ما كتب الله لكم) ومعلوم أنه إذا جاز الجماع إلى طلوع الفجر لزم منه أن يصبح جنباً ويصح صومه لقوله (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وإذا دل القرآن وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جواز الصوم لمن أصبح جنباً وجب الجواب عن حديث أبي هريرة عن الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وجوابه من ثلاثة أوجه أحدها أنه إرشاد إلى الأفضل فالأفضل أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز وهذا مذهب أصحابنا وجوابهم عن الحديث, والجواب الثاني لعله محمول على من أدركه الفجر مجامعاً فاستدام بعد طلوع