الفجر عالما فإِنه يفطر ولا صوم له, والثالث جواب ابن المنذر فيما رواه عنه البيهقي أن حديث أبي هريرة منسوخ وأنه كان في أول الأمر حين كان الجماع محرماً في الليل بعد النوم كما كان الطعام والشراب محرماً ثم نسخ ذلك ولم يعلمه أبو هريرة فكان يفتي بما علمه حتى بلغه الناسخ فرجع إليه, قال ابن المنذر هذا أحسن ما سمعت فيه والله أعلم انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري وإلى دعوى النسخ فيه ذهب ابن المنذر والخطابي وغير واحد وقرره ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنباً ولا يفسد صومه فإِن إباحة التسبب للشيء إباحة لذلك الشيء, قال ابن حجر وهذا أولى من سلوك الترجيح بين الخبرين, ثم ذكر الحافظ ابن حجر ما في حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما من الفوائد ومنها ترجيح مروي النساء فيما لهن عليه الإِطلاع دون الرجال على مروي الرجال لعكسه. وأن المباشر للأمر أعلم به من المخبر عنه, وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه إليه, فيه استعمال السلف من الصحابة والتابعين الإرسال عن العدول من غير نكير بينهم لأن أبا هريرة اعترف بأنه لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يمكنه أن يرويه عنه بلا واسطة وإنما بينها لما وقع من الاختلاف انتهى.
الوجه الثالث أن يقال وأي بأس في تحديث أبي هريرة رضي الله عنه بما رواه عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان تحديثه بذلك بعد موت الفضل, فأبو هريرة رضي الله عنه مأمون في روايته عن الفضل والفضل رضي الله عنه مأمون في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يروون ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم ويروون ما سمعه بعضهم من بعض عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون الواسطة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول بالاتفاق وأهل صدق وأمانة في روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية بعضهم عن بعض, وقد قرر الحافظ ابن حجر في فتح الباري صحة الاحتجاج بمراسيل الصحابة رضي الله عنهم, قال لأن الواسطة بين الصحابي وبين النبي صلى الله عليه وسلم