وأما ما ذكره المؤلف عن نفسه أنه عكف على القراءة والاستنباط طول حياته الماضية حتى فتح الله عليه بمعرفة الحق من الباطل بسبب رجوعه في كل شيء قرأه إلى القرآن.
فجوابه أن يقال إن عكوفه على القراءة والاستنباط طول حياته لم يزده إلا جهلا ولبسا للحق بالباطل ومحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم واتباعا لغير سبيل المؤمنين. وذلك أنه نصب نفسه للرد على رسول الله صلى الله علي وسلم واطراح كثير من أقواله وأفعاله وما ثبت عنه من المعجزات وخوارق العادات كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى وقد قال الله تعالى (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) وقال تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين. وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) وقال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء أحدهما رد الحق لمخالفته هواك فإِنك تعاقب بتقليب القلب ورد ما يرد عليك من الحق رأسا ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك. والثاني التهاون بالأمر إذا حضره وقته فإِنك إن تهاونت به ثبطك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك قال تعالى (فإِن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فلتهنه السلامة انتهى.
ومن نظر في كتاب المؤلف وكان ذا بصيرة لم يشك أنه قد أصيب بتقليب القلب والبصر فصار يرى الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق. وما زعمه من رجوعه في كل شيء قرأه إلى القرآن لم يكن سوى القول في كتاب الله بغير علم وحمل الآيات على غير محاملها. ولا شك أن المؤلف داخل فيما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعه في قوله «لا أعرفن أحداً منكم أتاه عني حديث وهو متكئ على أريكته فيقول اتل به قرآنا» وفي رواية «لا أعرفن أحدكم يأتيه أمر من أمري قد أمرت به أو نهيت