واعلم أن وصف البخاري رحمه الله بارتفاع المحل والتقدم في هذا العلم على الأماثل والأقران متفق عليه فيما تأخر وتقدم من الأزمان ويكفي في فضله أن معظم من أثنى عليه ونشر مناقبه شيوخه الأعلام المبرزون والحذاق المتقنون انتهى كلام النووي, وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة البخاري في آخر كتابه «هدي الساري مقدمة فتح الباري» أكثر مما ذكره النووي فليراجع هناك, ولتراجع أيضا ترجمة البخاري في تاريخ بغداد لأبي بكر بن ثابت الخطيب, ففيما ذكره الخطيب والنووي وابن حجر أبلغ رد على المؤلف الذي غلب عليه الهوس فاستهان بالبخاري وغض من شأنه وتوهم أنه يقدر على تخطئته ومعارضته في بعض الأحاديث التي وضعها في صحيحه وأنه لو واجهه لاستبرأ منها, ونقول للمؤلف ما قاله امرؤ القيس.
تلك الأماني يتركن الفتى ملكاً ... دون السماء ولم ترفع به رأسا
وقد قيل الجنون فنون, ومن فنون الجنون هوس المؤلف ورقاعته في تعرضه للبخاري بكلامه الذي يضحك منه كل عاقل وقد قال الشاعر وأحسن فيما قال
لا يضر البحر أمسى زاخراً ... أن رمى فيه غلام بحجر.
الوجه الرابع أن يقال إن البخاري قد نصح لنبيه ولنفسه وللمسلمين في جمعه كتابه الصحيح, ولم يضع فيه حديثاً مرفوعاً إلا وقد ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رضيه لدينه وللمسلمين, وقد رضي المسلمون كل الرضا بصحيحه وأجمع العلماء على صحته وقبوله, وقد تقدم بيان ذلك في الفصل الثاني عشر في أول الكتاب فليراجع (١).
وقال النووي في كتابه «تهذيب الأسماء واللغات» اتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخاري ومسلم واتفق الجمهور على أن صحيح البخاري أصحهما صحيحاً وأكثرهما فوائد, قال وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما انتهى.
وروى الخطيب بإِسناده عن محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه قال ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل.