وإذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يتحرى في الأداء ويتشدد في الرواية ويقل من رواية الحديث ويتورع في الألفاظ وتشتد عليه رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يقال إن عمر رضي الله عنه حبسه على إكثار الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذا لا يصح أبداً «وما آفة الأخبار إلا رواتها».
وذكر الذهبي أيضا في تذكرة الحفاظ عن أبي قلابة قال قال ابن مسعود رضي الله عنه «عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله فإِن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه وستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم فعليكم بالعلم وإياكم والتبدع وإياكم والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق.
وما جاء في هذا الأثر من الإِخبار عن الأقوام الذين يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم ينطبق على المؤلف وعلى أشباهه من أهل التبدع والتنطع وعداوة الأحاديث الصحيحة وأهلها, فهولاء شر من اليهود وأعظم ضررا على الإِسلام والمسلمين.
وأما ما نقله المؤلف عن جامع بيان العلم وفضله عن الشعبي عن قرظة بن كعب رضي الله عنه.
فجوابه أن يقال إن سماع الشعبي من قرظة غير متحقق. وقد جزم ابن حزم في كتاب الأحكام بأنه لم يلقه ورد هذا الخبر وبالغ في الرد ومما قاله أن عمر رضي الله عنه نفسه روي عنه خمسمائة حديث ونيف فهو مكثر بالقياس إلى المتوفين قريباً من وفاته, وكذلك رده ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله فقال, احتج بعض من لا علم له ولا معرفة من أهل البدع وغيرهم الطاعنين في السنن بحديث عمر هذا وقوله «أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» وجعلوا ذلك ذريعة إلى الزهد في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يوصل إلى مراد كتاب الله إلا بها. والطعن على أهلها ولا حجة في هذا الحديث ولا دليل على شيء مما ذهبوا إليه من وجوه قد ذكرها أهل العلم. منها أن وجه قول عمر إنما كان لقوم لم يكونوا أحصوا القرآن فخشي عليهم الاشتغال بغيره عنه إذ هو الأصل لكل علم. هذا معنى قول أبي عبيد في ذلك, وقال غيره إن عمر إنما نهى عن الحديث عما لا يفيد حكما ولا يكون سنة, وطعن غيرهم في حديث قرظة وردوه لأن الآثار الثابتة عن عمر