قال الآبري قال إسحاق فسألته - يعني الشافعي - عن سكنى بيوت مكة - أراد الكراء - فقال جائز فقلت أي يرحمك الله وجعلت أذكر له الحديث عن عائشة وعبد الرحمن وعمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كره كراء بيوت مكة وهو ساكت يسمع وأنا أسرد عليه فلما فرغت سكت ساعة وقال أي يرحمك الله أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «هل ترك لنا عقيل من رباع أو دار» قال فوالله ما فهمت عنه ما أراد بها ولا أرى أن أحداً فهمه. قال الحاكم فقال إسحاق أتأذن لي في الكلام فقال نعم فقلت حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك. وأخبرنا أبو نعيم وغيره عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أنه لم يكن يرى ذلك. قال الحاكم ولم يكن الشافعي عرف إسحاق فقال الشافعي لبعض من عرفه من هذا فقال هذا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ابن راهوية الخراساني فقال له الشافعي أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم قال إسحق هكذا يزعمون. قال الشافعي ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمر بعرك أذنيه. وقال الحاكم في خبر آخر قال له الشافعي لو قلت قولك احتجت إلى أن أسلسل أنا أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقول عطاء وطاوس ومنصور وإبراهيم والحسن هولاء لا يرون ذلك. هل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة. وفي خبر الآبري أن إسحاق قال فلما تدبرت ما قال من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل ترك لنا عقيل من رباع أو دار» علمت أنه قد فهم ما ذهب عنا. قال إسحاق ولو كنت قد أدركني هذا الفهم وأنا بحضرته لعرفته ذاك انتهى المقصود مما ذكره ياقوت.
فصل
والأخذ بالأحاديث الصحيحة وتعظيمها دليل على قوة الإِيمان في قلب العبد. والتهاون بها ونبذها واطراحها دليل على ضعف الإِيمان أو عدمه بالكلية قال الله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) فأقسم سبحانه وتعالى بنفسه الكريمة المقدسة على نفي الإِيمان عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم عند التنازع ويرض بحكمه ويطمئن إليه قلبه ولا يجد في نفسه حرجاً مما قضى به ويسلم له تسليما وينقاد له ظاهراً وباطناً.
وهذه الآية هي الحكم الفاصل في الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم