كان كثيراً ما يجالسه ويحدثه, وقد بين ابن كثير في مواضع كثيرة من تفسيره ما أخذه أبو هريرة من كعب, وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة إن الله خلق آدم على صورته, وهذا الكلام قد جاء في الإصحاح الأول من التوراة (العهد القديم) ونصه هناك وخلق الإنسان على صورته, على صورة الله, ولما ذكر كعب صفة النبي - ص - في التوراة قال أبو هريرة في صفته - ص -لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخايا في الأسواق, وهذا هو نص كلام كعب.
والجواب أن يقال هذا مما نقله المؤلف من كتاب أبي رية, فأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر يأجوج ومأجوج وأنهم يحفرون السد كل يوم فقد رواه الإِمام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مختصراً والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه, وقال ابن كثير في تفسيره إسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإِحكام بنائه وصلابته وشدته.
قلت ما جاء في الحديث لا ينافي ظاهر الآية لأن يأجوج ومأجوج وإن كانوا يحفرون السد كل يوم فإِنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا من ارتقائه.
قال ابن كثير ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل فيقولون غداً نفتحه فيأتون من الغد وقد عاد كما كان فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل فيقولون كذلك فيصبحون وهو كما كان فيلحسونه ويقولون غداً نفتحه ويلهمون أن يقولون إن شاء الله فيصبحون وهو كما فارقوه فيفتحونه, قال ابن كثير وهذا متجه, ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإِنه كان كثيراً ما يجالسه ويحدثه فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه انتهى.
وفي قوله ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب نظر من وجهين أحدهما أن سياق الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مغاير لسياق خبر كعب الثاني أنه قال في آخر الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه «والذي نفس محمد بيده» وهذا يدل على أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من قول كعب والله أعلم.
ولو قيل إن كعبا تلقاه من أبي هريرة أو غيره من الصحابة رضي الله عنهم لكان أقرب إلى الصواب لأن خبر كعب قد احتوى على أشياء كثيرة قد جاء ذكرها في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وهو في صحيح مسلم, وقد جاء بعض ذلك في غيره من الأحاديث المرفوعة, وقد ذكرتها في «إتحاف الجماعة» في ذكر يأجوج ومأجوج فلتراجع هناك, وقد يكون كعب أخذ ذلك من كتب أهل الكتاب مما هو موافق لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله وروى أحمد هذا الحديث عن كعب.
فجوابه أن يقال هذا من أكاذيب أبي رية وقد تلقاه المؤلف عن أبي رية بالقبول, وقد ساق ابن كثير خبر كعب في تفسير سورة الأنبياء وقال رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث معمر عن غير واحد عن حميد بن هلال عن أبي الضيف قال قال كعب إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤسهم. إلى آخر الخبر, ومن أحب الوقوف عليه فليراجعه في تفسير سورة الأنبياء من تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير.
وأما قوله وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة إن الله خلق آدم على صورته, وهذا الكلام قد جاء في الإِصحاح الأول من التوراة (العهد القديم) ونصه هناك وخلق الإِنسان على صورته, على صورة الله.
فجوابه أن يقال أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه «إن الله خلق آدم على صورته» فهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحيهما, ولا يطعن فيه أو يشك في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مكابر معاند.