البصرة فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب. وكان الإِمام أحمد رحمه الله تعالى غاية في الحفظ. وكذلك كان كثير من أقرانه ومن قبلهم من الأئمة الحفاظ. وكذلك كان كثير من أقران البخاري وكثيرون ممن بعدهم. ومن طالع تذكرة الحفاظ للذهبي رأى العجب مما ذكره عن أهل الحفظ والإِتقان من المتقدمين والمتأخرين.
ومن شكك في عناية الصحابة بالحديث أو شكك في عناية التابعين وتابعيهم وأئمة العلم والهدى من بعدهم وأراد بذلك التشكيك في الأحاديث الصحيحة فهو مفتر أفاك ولا شك في عداوته للسنة وأهلها.
الوجه الثاني أن يقال إن الله تعالى قد حفظ السنة كما حفظ القرآن لأن كلاً منهما من الذكر الذي قال اله تعالى فيه (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) والدليل على أن السنة من الذكر قول الله تعالى (وما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى) وقوله تعالى (قل إنما أنذركم بالوحي) وقوله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) قال البغوي أراد بالذكر الوحي. وكان النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً للوحي, وبيان الكتاب يطلب من السنة انتهى.
وقوله تعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) وقوله تعالى (واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به) والحكمة المذكورة في هاتين الآيتين هي السنة على القول الصحيح. وقد جاء ذكرها أيضاً في قوله تعالى في سورة آل عمران (ويعلمهم الكتاب والحكمة) ومثلها في سورة الجمعة, وقد تقدم في الفصل الثالث في أول الكتاب قول الشافعي سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم روى بأسانيده عن الحسن وقتادة ويحيى بن أبي كثير أنهم قالوا الحكمة في هذه الآية السنة, وتقدم فيه أيضاً قول حسان بن عطية أحد التابعين (كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل بالقرآن) رواه الدارمي بإِسناد جيد.
وقد تقدم في أثناء الكتاب (١) قول ابن حزم أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحي والوحي بلا خلاف ذكر والذكر محفوظ بنص القرآن, قال فصح بذلك أن