الوجه الثالث أن يقال إن السبق إلى الإِيمان لا يستلزم كثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم, فكم من سابق إلى الإِيمان وليس بمكثر من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم, وكم من مكثر من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممن تأخر إسلامه أو كان صغير السن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فليس المعول في كثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم على كبر السن ولا على السبق إلى الإِيمان, وإنما المعول في ذلك على الحفظ والإِتقان وطول العمر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد حصل لأبي هريرة رضي الله عنه حظ وافر من الحفظ والإِتقان وذلك ببركة لزومه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة حرصه على أخذ العلم والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وتأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعائه لما سأل الله علماً لا ينسى. وقد تأخرت وفاته إلى سنة تسع وخمسين من الهجرة.
وأما قوله وقد ثبت أن كثيراً من الصحابة لم يرون شيئا عن النبي منهم سعيد بن زيد بن فضل بن عمارة أحد العشرة المبشرين بالجنة.
فجوابه أن أقول لا أدري من أيهما أعجب, أمن تخبيط أبي رية في عدد الأحاديث التي رواها من تقدم ذكرهم من أكابر الصحابة رضي الله عنهم, أم من تخبيط المؤلف في نسب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه, وإنه ليصدق على المؤلف وأبي رية قول الشاعر:
لقد كان في الإعراض ستر جهالة ... غدوت بها من أشهر الناس في البلد
وقول الآخر:
زوامل للأسفار لا علم عندهم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ... بأوساقه أو راح ما في الغرائر
فأما قول المؤلف «لم يرون شيئا» فصوابه «لم يرووا شيئا» وإذا كان المؤلف لا يعرف الفرق بين الرؤية والرواية مع أن ذلك لا يخفى على أصغر طلبة العلم فما باله يتطاول على الأحاديث الصحيحة ويقابلها بالرد والإِنكار, ويتطاول على بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطعن فيهم بالإِفك والبهتان.
وقد روى الإِمام أحمد بإِسناد صحيح والبخاري وأبو داود وابن ماجه عن أبي