الحفاظ في ترجمة أبي هريرة أن كعباً قال فيه ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة, فكيف يعرفها ويعرف ما فيها وهي عبرية مع أنه كان لا يقرأ عبريا حتى ولا عربيا. ص ٢٠٧ من أضواء على السنة.
والجواب أن يقال إن كثيراً من شرار العصريين قد تحاملوا على كعب الأحبار تحاملا قبيحا حتى إن أبا رية قال فيه إنه أظهر الإِسلام خداعا وطوى قلبه على يهوديته, هكذا قال أبو رية في ظلماته, ولو كان عنده أدنى شيء من التقوى والورع لما رمى رجلا مسلماً باليهودية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» متفق عليه من حديث أبي ذر رضي الله عنه, وفي الصحيحين أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, وفي صحيح البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو ذلك أيضاً, وفي صحيح ابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أيضا.
قوله حار عليه أي رجع ذلك على القائل.
وقد زعم أبو رية أن كعباً كان ذا مكر وخداع وأن أبا هريرة رضي الله عنه كان أكثر الصحابة انخداعاً به, وهذا من بهتان أبي رية وترهاته وقد قال الشاعر وأحسن فيما قال:
إذا رزق الفتى وجها وقاحاً ... تقلب في الوجوه كما يشاء
وهذا البيت مطابق لحال المؤلف وأبي رية غاية المطابقة
وأما ما نقله المؤلف من كتاب أبي رية ونقله أبو رية من طبقات الحفاظ للذهبي ففي إسناده عمران القطان وقد ضعفه النسائي وأبو داود في رواية عنه وقال ابن معين ليس بشيء وقال الدارقطني كان كثير المخالفة والوهم. قال العلامة المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في رده على أبي رية, عمران القطان ضعيف ولا يتحقق سماعه من بكر - يعني ابن عبد الله المزني - وفي القرآن والسنة قصص كثيرة مذكورة في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب الآن فإِذا تتبعها أبو هريرة وصار يذكرها لكعب كان ذلك كافيا لأن يقول كعب تلك الكلمة. ففيم التهويل الفارغ انتهى.