ووهب بن منبه وتقديمهما عليه في الذكر مع أنه صحابي جليل قد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة, وأما كعب ووهب فهما من التابعين فنبغي تقديم عبد الله بن سلام رضي الله عنه عليهما في الذكر من أجل الصحبة والفضيلة.
وأيضا فإن عبد الله بن سلام رضي الله عنه كان مقلا جداً من النقل عن كتب أهل الكتاب فلا ينبغي ذكره مع المكثرين من النقل عنهم.
الوجه الثالث أن أبا رية زاد في كلام ابن خلدون جملة ليست فيه وهي قوله «أو مما كانوا يفترون» وقد نقلها المؤلف من كتاب أبي رية وهي كذب مفترى على ابن خلدون كما يعلم ذلك من كلامه الذي تقدم ذكره في الوجه الأول وهو منقول بالنص من مقدمة ابن خلدون.
ومن العجب أن المؤلف قد أكثر الكلام في ذم الدس والوضع والوضاعين وها هو ذا يدس الكذب في كلام ابن خلدون تقليداً لأبي رية. وهذا من أقبح التناقض, ولا شك أن ذمه للوضع والدس يعود عليه وعلى إمامه أبي رية لأنهما قد استباحا الوضع والدس في كلام ابن خلدون وفي غيره مما تقدم ذكره في عدة مواضع.
الوجه الرابع أن المؤلف رمى عبد الله بن سلام رضي الله عنه وكعب الأحبار ووهب بن منبه بالافتراء وبث الأكاذيب والترهات في الدين الإِسلامي والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ المؤلف ذلك من كتاب أبي رية وهو من البهتان الذي قال الله تعالى فيه (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من ذكر امرءا بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه» رواه الطبراني قال المنذري وإسناده جيد وفي رواية له «أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء يشينه بها في الدنيا كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال».
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال» رواه أبو داود والطبراني والحاكم وصححه, وزاد الطبراني «وليس بخارج».