فجوابه أن يقال هكذا قال المؤلف «الأولون» وصوابه «الأولين» وقد تقدم التنبيه على ذلك في أول الفصل, وقد اقتصر المؤلف تبعاً لأبي رية على هذه القطعة من كلام ابن قتيبة لأن غاية قصدهما سب أبي هريرة رضي الله عنه وإلصاق العيوب به. وقد أجاب ابن قتيبة عن ذلك بقوله فلما أخبرهم أبو هريرة بأنه كان ألزمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لخدمته وشبع بطنه وكان فقيراً معدماً وأنه لم يكن ليشغله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا الصفق بالأسواق, يعرض أنهم كانوا يتصرفون في التجارات ويلزمون الضياع في أكثر الأوقات وهو ملازم له لا يفارقه فعرف ما لم يعرفوا وحفظ ما لم يحفظوا - أمسكوا عنه انتهى.
ولم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه أنكر على أبي هريرة رضي الله عنه كثرة الرواية إلا ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما. وقد تقدم ذكر ذلك في الفصل الذي قبل هذا الفصل وفيه أن ابن عمر رضي الله عنهما قال أكثر أبو هريرة على نفسه فقيل له هل تنكر شيئاً مما يقول قال لا, وتقدم أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اعترف لأبي هريرة رضي الله عنه بأنه كان ألزمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بحديثه, وتقدم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لأبي هريرة رضي الله عنه أكثرت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه والله ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب ولكن أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثي قالت لعله. وفي رواية أن أبا هريرة رضي الله عنه لما قال لعائشة رضي الله عنها يا أماه إنه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرآة والمكحلة والتصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإني والله ما كان يشغلني عنه شيء. فسكتت. وهذا يدل على إقرارها لأبي هريرة رضي الله عنه بالحفظ.
قال العلامة المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في كتابه «الأنوار الكاشفة» إن أبا هريرة كان شديد التواضع, وعائشة معروفة بالصرامة وقوة العارضة فجوابه يدل على قوة إدلاله بصدقه ووثوقه بحفظه, ولو كان عنده أدنى تردد في صدقه وحفظه لاجتهد في الملاطفة فإِن المريب جبان, وسكوت عائشة بل قولها «لعله» أي لعل الأمر كما ذكرت يا أبا هريرة يدل دلالة واضحة أنه لم يكن عندها ما يقتضي اتهام أبي هريرة, هذا وحجة أبي هريرة واضحة فإِن عائشة لم تكن ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم بل انفردت عن الرجال بصحبته صلى الله عليه وسلم في الخلوة, وقد انفردت