والجواب أن يقال أما قوله عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم امتنعوا من التحديث خوفاً من الخطأ, فقد تقدم الجواب عنه في الفصل الذي قبل هذا الفصل.
وأما ما ذكره من وقوع الشوب والفساد في الحديث لما خرجت الخوارج وتحزب الناس وظهر القصاص والزنادقة وأهل الأخبار المتقادمة.
فجوابه أن يقال إن الله تعالى قد أقام للأحاديث رجالاً أمناء بينوا أحوال الرواة وميزوا الثقات من المجروحين وذكروا الكذابين والوضاعين بأسمائهم ليجتنب الناس أحاديثهم فلم يبق بعد ذلك ما يخشى منه اللبس والشوب والفساد في الحديث, فالأحاديث الصحيحة معروفة عن أهل العلم من أهل السنة والجماعة, وكذلك الأحاديث الحسنة والأحاديث الضعيفة والأحاديث الموضوعة والإِسرائيليات فكل ذلك معروف عندهم, وإنما تقع الشكوك واللبس والتشكيك من أعداء السنة ومنهم المؤلف وأبو رية وأناس من أضرابهما ممن عاصرهما وممن كان قبلهما بزمن يسير, وبعضهم قد تتلمذوا للإِفرنج وتأثروا بآرائهم وأفكارهم الفاسدة وسهامهم المسمومة التي يوجهونها نحو الأحاديث الصحيحة التي لا تتفق مع أفكارهم المنحرفة ليطعنوا بذلك في الإِسلام والمسلمين, فهؤلاء الذين أشرنا إليهم من تلامذة الإِفرنج وأتباعهم هم معاول الهدم للسنة, فكل حديث صحيح لا يوافق آراءهم أو آراء من يعظمونه لا يتوقفون في رده وتكذيبه ثم يزعمون أنه من دسائس الإِسرائيليين وهم كاذبون في ذلك وإنما الدس والتشكيك منهم لا من الإِسرائيليين.
وأما قول المؤلف إن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما كان يكذب في الأحاديث.
فجوابه أن يقال قد تكلم بعض العلماء في عكرمة ورماه بعضهم بالكذب ولعل مرادهم بالكذب الخطأ والغلط كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «كذب أبو السنابل» لما أفتى أن الحامل المتوفى عنها زوجها لا تتزوج حتى تتم لها أربعة أشهر وعشر ولو وضعت قبل ذلك, ومن هذا قول عبادة بن الصامت رضي الله عنه «كذب أبو محمد» لما قال إن الوتر واجب, أي أخطأ, ومنه قول سعيد بن جبير كذب جابر