وأما حديث أنس رضي الله عنه فرواه البزار ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإِن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء» قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط.
قال الخطابي في الكلام على حديث أبي هررة رضي الله عنه وقد تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له وقال كيف يكون هذا وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح الشفاء وما أريها إلى ذلك, قال وهذا سؤال جاهل أو متجاهل وإن الذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت, ثم يرى أن الله سبحانه قد ألف بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوى الحيوان التي بها بقاؤها وصلاحها - لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والشفاء في جزئين من حيوان واحد. وإن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة وأن تعسل فيه وألهم الذرة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحاً وتؤخر جناحاً لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان الذي هو مضمار التكليف وفي كل شيء عبرة وحكمة وما يذكر إلا أولو الألباب انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في «زاد المعاد» واعلم أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة والعارضة من لسعه وهي بمنزلة السلاح فإِذا سقط فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله سبحانه في جناحه الآخر من الشفاء فيغمس كله في الماء والطعام فيقابل المادة السمية بالمادة النافعة فيزول ضررها, وهذا طب لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم بل هو خارج من مشكاة النبوة, ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإِطلاق وأنه مؤيد بوحي إلهي خارج عن القوى البشرية انتهى.
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى في تعليقه على الجزء الثاني عشر من مسند الإِمام أحمد صفحه ١٢٤ - ١٢٩, وهذا الحديث مما لعب به بعض معاصرينا ممن علم وأخطأ وممن علم وعمد إلى عداء السنة, وممن جهل وتجرأ, فمنهم