من حمل على أبي هريرة وطعن في رواياته وحفظه. بل منهم من جرؤ على الطعن في صدقه فيما يروي, حتى غلا بعضهم فزعم أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة, إن لم يزعم أنها لا أصل لها بما رأوا من شبهات في نقد بعض الأئمة لأسانيد قليلة فيهما فلم يفهموا اعتراض أولئك المتقدمين الذين أرادوا بنقدهم أن بعض أسانيدهما خارجة عن الدرجة العليا من الصحة التي التزمها الشيخان, لم يريدوا أنها أحاديث ضعيفة قط.
ومن الغريب أن هذا الحديث بعينه - حديث الذباب - لم يكن مما استدركه أحد من أئمة الحديث على البخاري بل هو عندهم جميعا مما جاء على شرطه في أعلا درجات الصحة.
ومن الغريب أيضا أن هؤلاء الذين حملوا على أبي هريرة على علم كثير منهم بالسنة وسعة اطلاعهم غفلوا أو تغافلوا عن أن أبا هريرة رضي الله عنه لم ينفرد بروايته بل رواه أبو سعيد الخدري أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد في المسند والنسائي وابن ماجه والبيهقي بأسانيد صحاح, ورواه أنس بن مالك أيضاً كما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط, وذكره الحافظ في الفتح وقال أخرجه البزار ورجاله ثقات.
فأبو هريرة لم ينفرد برواية هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه انفرد بالحمل عليه منهم بما غفلوا أنه رواه اثنان غيره من الصحابة والحق أنه لم يعجبهم هذا الحديث لما وقر في نفوسهم من أنه ينافي المكتشفات الحديثة من المكروبات ونحوها, وعصمهم مقامهم عن أن يجرؤا على المقام الأسمى فاستضعفوا أبا هريرة.
والحق أيضاً أنهم آمنوا بهذه المكتشفات الحديثة أكثر من إيمانهم بالغيب ولكنهم لا يصرحون ثم اختطوا لأنفسهم خطة عجيبة أن يقدموها على كل شيء وأن يؤولوا القرآن بما يخرجه عن معنى الكلام العربي إذا ما خالف ما يسمونه «الحقائق العلمية» وأن يردوا من السنة الصحيحة ما يظنون أنه يخالف حقائقهم هذه, افتراء على الله وحبا في التجديد.
بل إن منهم لمن يؤمنون ببعض خرافات الأوربيين وينكر حقائق الإِسلام أو يتأولها, فمنهم من يؤمن بخرافات استحضار الأرواح وينكر وجود الملائكة والجن