الدافع الثاني هو إعلان الغيرة التي لا تقبل من المؤمن صمتا ولا كتمانا وإنما يفرضها الله جهارة وإعلانا وحملة وإنكاراً على باطل القول وزور الحديث الذي نسب إلى رسول الله (ص) وتغلغل في سطور كلامه الصحيح حتى أصبح معارضا للقرآن الكريم ومعطلا لأحكامه الصريحة الواضحة ثم غشي بغشائه القبيح على أجمل وأطيب سيرة منحها الله لخاتم النبيين والمرسلين. وليس لنا من مخرج العقاب على وجود هذا الباطل في كتب الأحاديث الصحيحة ومضارعته للقرآن إلا بإعلان تلك الصيحة والتعريض الكتابي بعيوب وبطلان ما دسه الإسرائيليون وأقحموا فوقه اسم نبينا زورا وبهتانا ليشوهوا دين الإسلام بما في تلك الأحاديث من عيوب الوثنية وقبيح الباطل وبطلان التخريف.
والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال إن المؤلف إنما أعلن العناد والزندقة والإلحاد وأظهر ذلك في قالب النصيحة والإصلاح كما قال تعالى عن سلفه وإخوانه (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) فقد أعلن غيرته جهارة وإعلاناً وحملة وإنكاراً لأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله ومعجزاته وكراماته كما لا يخفى على من نظر في كتابه المملوء بالأباطيل والترهات.
الوجه الثاني أن يقال ليس في صحيح البخاري شيء من باطل القول وزور الحديث وإنما ذلك في كتاب المؤلف فهو الذي قد ملئ بالأباطيل والزور والبهتان, وسأبين ذلك في مواضعه من الرد عليه إن شاء الله تعالى.
الوجه الثالث أن يقال ليس في صحيح البخاري شيء يعارض القرآن الكريم ويعطل أحكامه الصريحة كما زعم ذلك المؤلف كذبا وزورا. وقد تقدم في الفصل الثاني عشر في أول الكتاب ما نقله النووي من اتفاق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وأن الأمة تلقتهما بالقبول وأن ما حكم البخاري ومسلم بصحته فهو مقطوع بصحته في نفس الأمر وأن علماء المسلمين أجمعوا على صحتهما سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع. وتقدم أيضا ما ذكره ابن كثير من إجماع العلماء وسائر أهل الإسلام على قبول صحيح البخاري وصحة ما فيه. فليراجع ذلك (١) ففيه أبلغ رد على كذب المؤلف وإلحاده.