ولرشيد رضا وشيخه محمد عبده نصيب وافر من الطعن في الأحاديث الصحيحة التي تخالف تفكيرهما وثقافتهما وفلسفتهما, وأما المؤلف وإمامه أبو رية فقد ملأ كل منهما جعبته من سهام الطعن في الأحاديث الصحيحة والتشكيك فيها والطعن في بعض الصحابة وغيرهم من ثقات التابعين ومن بعدهم من أكابر العلماء ثم أفرغا ذلك في كتابيهما المشئومين عليهما وعلى من اغتر بكلامهما الباطل.
وللمؤلف وأبي رية أشباه ونظراء كثيرون من المكابرين في رد الأحاديث الصحيحة والتشكيك فيها وذلك موجود في كتب كثيرة من كتب العصريين ومقالاتهم الخاطئة وقد قال الله تعالى (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإِن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون).
وقد قال العلامة المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في رده على آخر الجملة التي ساقها أبو رية من كلام رشيد رضا.
أما المضطرب فحكمه معروف عند أهل العلم, وأما المخالف لسنن الله فمن سنن الله أن يخرق العادة إذا اقتضت حكمته, والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة لا تحصى. وأما المخالف لأصول الدين فالمتثبتون إذا سمعوا خبراً تمتنع صحته أو تبعد لم يكتبوه ولم يحفظوه فإِن حفظوه لم يحدثوا به فإِن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه وفي الراوي الذي عليه تبعته, قال الإِمام الشافعي في الرسالة ص ٣٩٩ «وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه» وقال الخطيب في الكفاية في علم الرواية ص ٤٢٩ «باب وجوب اطراح المنكر والمستحيل من الأحاديث» قال المعلمي وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث لكن الأئمة بالمرصاد للرواة, فلا تكاد تجد حديثا بين البطلان إلا وجدت في سنده واحداً أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة, والأئمة كثيراً ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به فضلا عن خبرين أو أكثر, ويقولون للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد «منكر» أو «باطل» وتجد ذلك كثيراً في تراجم الضعفاء وكتب العلل والموضوعات, والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا حديثا, فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى وأشد احتياطا - إلى أن قال - وبالجملة لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر عن ربه وغيبه بباطل, فإِن روي عنه خبر تقوم الحجة على