فجوابه أن يقال أما الصحابة رضي الله عنهم فكلهم عدول باتفاق أهل العلم وكلهم معروفون بالصدق فيما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيما يرويه بعضهم عن بعض عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره, ولا يعرف عن أحد منهم أنه تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال شيخ الإِسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الأخنائي لا يعرف من الصحابة من كان يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان فيهم من له ذنوب لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه انتهى.
وأما التابعون ومن بعدهم فليسوا مثل الصحابة بل فيهم الثقات الأثبات وفيهم من ليس كذلك, وقد اعتنى علماء الجرح والتعديل ببيان أحوال الرواة والتمييز بين الثقات وغير الثقات, وقد تقدم إيضاح ذلك في الوجه السادس.
وأما قوله فكل حديث مشكل المتن أو مضطرب الرواية أو مخالف لسنن الله تعالى في الخلق أو لأصول الدين أو نصوصه القطعية أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية فهو مظنة لما ذكرنا. فمن صدق رواية مما ذكر ولم يجد فيها إشكالا فالأصل فيها الصدق, ومن ارتاب في شيء منها أو أورد عليه بعض المرتابين أو المتشككين إشكالاً في متونها فليحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية لاحتمال كونها من دسائس الإسرائيليات أو خطأ الرواية بالمعنى, وإذا لم يكن شيء منها ثابتا بالتواتر القطعي فلا يصح أن يجعل شبهة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم المعلوم بالقطع ولا على غير ذلك من القطعيات.
فجوابه أن يقال إن كثيراً من المفتونين بالثقافة الغربية يستشكلون من الأحاديث الصحيحة ما لا يتفق مع عقولهم وثقافتهم, فيستشكلون أحاديث الصفات ويستشكلون ما جاء في القضاء والقدر ويستشكلون آيات الأنبياء ومعجزاتهم وما يجريه الله على أيديهم من خوارق العادات ويستشكلون أحاديث الفتن وأشراط الساعة, إلى غير ذلك من الأحاديث التي يستشكلونها إذا كانت لا تتفق مع فلسفتهم وتفكيرهم وثقافتهم, ولهم طرق في الطعن في الأحاديث الصحيحة والتشكيك فيها, فتارة يزعمون أنها من الدسائس الإِسرائيلية أو من دسائس الفرس وأهل الابتداع والعصبيات, وتارة يزعمون أنها من خطأ الرواية بالمعنى, وتارة يزعمون أنها لم تثبت بالتواتر القطعي وتارة يزعمون أنها تخالف سنن الله في الخلق, وتارة برمي الصحابة بالتغفيل.