المبنى محكمة التأليف وأن ألفاظها قد وصلت إلى الرواة مصونة كما نطق النبي - ص - بها بلا تحريف فيها ولا تبديل, ولقد كان لهذا الفهم أثره في أفكار شيوخ الدين فاعتقدوا أن هذه الأحاديث في منزلة آيات الله في كتابه العزيز من وجوب التسليم بها وفرض الإِذعان لأحكامها بحيث يأثم أو يرتد أو يفسق من يخالفها ويستتاب من أنكرها أو شك فيها.
والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال أما الأحاديث التي ليست جيدة الأسانيد فهذه لا قائل من العلماء بوجوب التسليم لها وفرض الإِذعان لأحكامها. وأما الأحاديث الثابتة بالأسانيد الصحيحة فالإِيمان بها والتسليم لها والإِذعان لأحكامها واجب على كل مسلم وذلك من تحقيق الشهادة بأن محمداً رسول الله, ومن كذب بشيء مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ممن يشك في إسلامه.
وقد قال الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى إذا حدث الثقة عن الثقة إلى أن ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ثابت ولا يترك لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث أبداً إلا حديث وجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يخالفه.
وقال الإِمام أحمد رحمه الله تعالى كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إسناد جيد أقررنا به وإذا لم نقر بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ودفعناه ورددناه رددنا على الله أمره قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
وقال إسحاق بن راهويه من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر.
وقال الحسن بن علي بن خلف البربهاري في كتابه شرح السنة ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإِسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله فقد وجب عليك أن تخرجه من الإِسلام.
وقال البربهاري أيضا من رد آية من كتاب الله فقد رد الكتاب كله ومن رد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الأثر كله وهو كافر بالله العظيم.
وللبربهاري في هذا الموضوع كلام أكثر من هذا وقد ذكرته في الفصل الأول