بعد ذلك إلى العراق ولم يزل فيه حتى قتل وكانت خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما نحوا من ستة أشهر وبذلك تمت خلافة النبوة ثلاثين سنة, ثم نزل الحسن رضي الله عنه عن الأمر لمعاوية رضي الله عنه وكان معاوية أول الملوك في الإِسلام وكان مقره بالشام وبذلك ظهر مصداق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي تقدم ذكرها قريبا.
وأما ما ذكره المؤلف وأبو رية عن كعب الأحبار أنه قال «أهل الشام سيف من سيوف الله ينتقم الله بهم ممن عصاه» فقد روي نحوه عن خريم بن فاتك الأسدي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده» الحديث رواه الطبراني مرفوعا والإِمام أحمد موقوفا على خريم قال الهيثمي ورجالهما ثقات.
وأما قول المؤلف تبعا لأبي رية, ومن حديث «ستفتح عليكم الشام فإِذا خيرتم فعليكم بمدينة يقال لها دمشق وهي حاضرة الأمويين فإِنها معقل المسلمين في الملاحم وفسطاطها منها بأرض يقال لها الغوطة».
فجوابه أن يقال هذا الحديث قد رواه الإِمام أحمد من حديث جبير بن نفير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي إسناده ضعف. وله شاهد صحيح من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام» رواه الإِمام أحمد وأبو داود ورجالهما رجال الصحيح سوى زيد بن أرطأة وهو ثقة, وقد رواه الحاكم في مستدركه ولفظه قال «يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ» قال الحاكم صحيح الإِسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي على تصحيحه.
وقد دلت رواية الحاكم على أن تفضيل السكنى بدمشق إنما يكون في آخر الزمان إذا وقعت الملاحم بين المسلمين والروم, والملاحم إنما تكون قبيل خروج الدجال كما جاء ذلك في عدة أحاديث صحيحة ذكرتها في كتابي «إتحاف الجماعة, بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة» فلتراجع هناك في «باب ما جاء في الملحمة الكبرى».