فعلم من هذا أن الزبير رضي الله عنه قد صدق أبا هريرة رضي الله عنه فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما خطأه في وضعه لبعض الأحاديث على غير مواضعها أي حملها على غير محملها, والخطأ في تفسير بعض الأحاديث وبيان معانيها قد يقع من بعض كبار العلماء ولا إثم في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما, وإنما يكون الإِثم في افتراء الكذب لقول الله تعالى (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) والصحابة رضي الله عنهم منزهون عن افتراء الكذب فكلهم عدول بالاتفاق وأهل صدق وأمانة فرضي الله عنهم وأرضاهم, وأبعد الله من أبغضهم ومن تنقصهم ومن رماهم بما هم برءاء منه.
وقد قال العلامة المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في كتابه «الأنوار الكاشفة» في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه, إنكم تقرؤن هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) الآية وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه» فالوضع على غير الموضع ليس بتغيير اللفظ فإِن الناس لم يغيروا من لفظ الآية شيئاً, وإنما هو الحمل على المحمل الحقيقي «هكذا هو في الأنوار الكاشفة على المحمل الحقيقي» ولعله خطأ مطبعي والصواب «وإنما هو الحمل على غير المحمل الحقيقي» ومثال ذلك في الحديث أن يذكر أبو هريرة حديث النهي عن الادخار من لحوم الأضاحي فوق ثلاث, وحديث النهي عن الانتباذ في الدباء والنقير والمزفت, فيرى الزبير أن النهي عن الادخار إنما كان لأجل الدافة, وأن النهي عن الانتباذ في تلك الآنية إنما كان إذ كانوا حديثي عهد بشرب الخمر لأن النبيذ في تلك الآنية يسرع إليه التخمر فقد يتخمر فلا يصبر عنه حديث العهد بالشرب ونحو ذلك, وأن أبا هريرة إذا أخبر بذلك على إطلاقه يفهمه الناس على إطلاقه وذلك وضع له على غير موضعه ففي القصة شهادة الزبير لأبي هريرة بالصدق في النقل, فأما ما أخذه عليه فلا يضره فإِن في الأحاديث الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد وقد يعلم الصحابي هذا دون ذلك فعليه أن يبلغ ما سمعه, والعلماء بعد ذلك يجمعون الأحاديث والأدلة كلا منها بحسب ما يقتضيه مجموعها انتهى.