وتوجيهات ذكرها النووي في شرح مسلم والحافظ ابن حجر في فتح الباري وغيرهما من العلماء فمن أحب الوقوف عليها فليراجعها فيما أشرت إليه.
وقد قال ابن حبان في صحيحه «ذكر خبر شنع به على منتحلي سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم - من حرم التوفيق لإدراك معناه» ثم قال بعد إيراده لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في إرسال ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام «إن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار وأمره أن يقول له أجب ربك أمر اختبار وابتلاء لا أمراً يريد الله جل وعلا إمضاءه كما أمر خليله بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه فلما عزم على ذبح ابنه وتله للجبين فداه بالذبح العظيم, وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها كدخول الملائكة على إبراهيم ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة, وكمجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله إياه عن الإِسلام والإِيمان فلم يعرفه المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ولى فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها وكان موسى غيوراً فرأى في داره رجلاً لم يعرفه فشال يده فلطمه فأتت لطمته على فقئ عينه التي في الصورة التي يتصور بها لا الصورة التي خلقه الله عليها, ولما كان المصرح عن نبينا صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عباس حيث قال «أمني جبريل عند البيت مرتين» فذكر الخبر وقال في آخره «هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك» كان في هذا الخبر البيان الواضع أن بعض شرائعنا قد يتفق مع بعض شرائع من قبلنا من الأمم, ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه أو الناظر في بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله ولا حرج على مرتكبه للأخبار الجمة الواردة فيه. كان جائزاً اتفاق هذه الشريعة وشريعة موسى بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحا له ولا حرج عليه في فعله.
فلما رجع ملك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه أمره ثانيا بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء إذ قال الله له قل له إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل غطت يدك بكل شعره سنة, فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت وأنه جاءه بالرسالة من عند الله طابت نفسه بالموت ولم يستمهل وقال فالآن, فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به, ضد قول من زعم أن