للمجلس فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فما زال يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم. ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم. ثم انتدب رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه, فلم يزل يلقي عليه واحداً بعد آخر حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه, ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على «لا أعرفه» فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فهو كذا وحديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بعد أن ذكر هذه القصة رواية عن الخطيب, قلت هنا يخضع للبخاري فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإِنه كان حافظا بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة.
قال الحافظ وقال أبو الأزهر كان بسمرقند أربعمائة محدث فتجمعوا وأحبوا أن يغالطوا محمد بن إسماعيل فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد العراق في إسناد الشام وإسناد الحرم في إسناد اليمن فما استطاعوا مع ذلك أن يتعلقوا عليه بسقطة انتهى ما ذكره الحافظ ابن حجر وفيه أبلغ رد على من استهان بالبخاري وحاول الغض منه وإلحاقه بالأغبياء المغفلين.
الوجه الثالث أن إساءة المؤلف ليست مقصورة على البخاري رحمه الله تعالى بل إنه قد حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بمعارضته للأحاديث الصحيحة ورفضها. وقد أساء إلى الصحابة الذين حفظوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبلغوها إلى من بعدهم. وقد أساء إلى الثقات الأثبات الذين حفظوا الأحاديث