ورجعا إليه فلما وجدا القصر مباحاً مع عدم الشرط تعجبا وقالا ما الذي قام مقام الخوف، وقد عدم والأصل الإتمام إلا أن يوجد الخوف. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبح القصر مع زوال الخوف لشيء قام مقامه لكنه صدقة تصدق الله بها عليكم، فلهذا تعجبا لا لأجل اعتقادهما أن تعلق إباحة للقصر بحصول الخوف، دال على أن ما عداه بخلافه.
فإن قالوا: لم يكن لهما أن يتعجبا من نسخ وجوب الإتمام بالقصر، لأن العقول تجوز ذلك.
قيل لهم: لم يتعجبا لاعتقادهما إحالة نسخ وجوب الإتمام بإباحة القصر، وإنما تعجبا لظنهما إنه لم ينسخ، وأن هناك شرط يقوم مقام الخوف، فسقط ما قلتم.
فيقال لهم: وليس لهم أن يتعجبا من التسوية بين حال الخوف والأمن لأنهما يجوزان ورود الشرع بالتسوية بين ذي الصفتين المختلفين في الحكم، فإن وجبت المخالفة عند عدم الدليل على/ وجوب التسوية، فيجب أن لا يكون لهما التعجب من ذلك، ولو اعتقدا دليل الخطاب. فبطل ما قالوه.
فأما تعلقهم في ذلك بأن ابن عباس رضي الله عنه عقل من قوله عليه السلام:"إنما الربا في النسيئة" جواز البيع متفاضلا نقدا لأن النقد خلاف النسيئة، فعقل من تعليق الحكم بالنسيئة إن التبايع نقداً بخلافه. وكذلك فقد عقل من قوله:{فَإن كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} أن ما نقص عما يقع عليه اسم إخوة، وهو عنده ثلاثة لا تحجب بهما الأم من الثلث إلى السدس، وعلم أن حكم الأخوين خلاف الأخوة في ذلك.