إن ترك وظاهر اللفظ أو البعض إن خص منه. وإنما يجب عليه ذلك عندنا بشريطة بقاء الأمر وأن لا يسنح عنه قبل وقته, فحصل بذلك ممتحنا مكلفا ولو ترك فعل هذا العزم لكان بذلك عاصيا. فبطل ما قالوه. وهذا هو جوابهم في إحالة تأخير بيان المجمل وسائر اللفظ الصالح عندنا للتعبير به عن الإباحة والإيجاب والندب والتهديد.
وعن قولهم: لو تأخر بيان المراد بأمره أنه على التراخي, وهل هو واجب أو ندب يخرج عن كونه مفيدا ولصار وجوده بمثابة عدمه.
فصل: واستدل- أيضا- بعضهم على ذلك بأن تأخير البيان يوجب نسخ ما يخص منه بعد وروده على التراخي. قالوا: ونحن لا ننكر النسخ وإنما ننكر أن يكون المتأخر تخصيصا.
وهذا- أيضا- باطل، لأن النسخ للعبادة إنما يصح بعد بدئها واستقرارها. ولفظ العموم الواجب تنفيذه على التراخي لم يستقر كونه عموما, بل هو مراعي على ما قلناه, يجوز كونه عموما إن تركنا وظاهره ويجوز ورود ما يخصه. فبطل ما قالوه.
فصل: واستدلوا- أيضا- على ذلك بأن تأخير البيان جار مجرى قطع الكلام عن تمامه والابتداء عن خبره والاستثناء عن المستثنى منه. وذلك أجمع فاسد غير مستعمل.
وهذا- أيضا- بعيد, لأننا قد أوضحنا فيما سلف أن قطع الابتداء عن خبره والاستثناء عن ما هو استثناء منه يجعل الكلام مبتورا غير مفيد, ويخرج الاستثناء عن كونه مفيدا ومتعلقا بالمستثنى منه. ولا حاجة بنا إلى رد ذلك. وإطلاق لفظ العموم والمجمل المراد منهما أمر مفيد, وتأخير بيان ذلك كلام مفيد لأشياء كثيرة, وإن كان فيه وجه من الاحتمال.
وقد ثبت أن من كلامهم المجمل والمفسر والظاهر الجلي والمشكل الخفي.