فيقال لهم: هذا تسليم منكم أن مجرد أمره لا يجب حمله على الوجوب من حيث هو أمر, وإنما يجب ذلك باقتران الوعيد به.
ثم يقال لهم: ما أنكرتم أن يكون المراد بهذا الأمر بالدخول في دينه والتصديق له لأنه قال تعالى: {أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وذلك تهديد على مخالفته في ترك دينه, ونحن لا ننكر أن يكون من أوامره ما يجب الوعيد على ترك امتثاله, فمن أين لنا أن جميع أوامره كذلك.
ومما يدل على أنه إنما عني بذلك الواجب من أوامره دون جميعها إجماع الأمة على أن من خالف الندب من أوامره لا تصيبه فتنة, ولا عذاب أليم, ولا شيء من المأثم وإن كان مخالفة لأمره, فدل ذلك على ما قلناه.
ثم يقال لهم: إن الوعيد إنما يجب على مخالفته وينبئ عن لزوم موافقته, ونفس الموافقة لأمره لا تنبئ عن أن أمره واجب أو ندب, فكأنه قال وافقوه على أوامره, وقد يوافقه على أوامره الواجب منها تارة وعلى الندب أخرى وليس تصح الموافقة إلا بأن يفعل الفعل على الوجه الذي أمرنا به, فإذا علمنا أن من أوامره الواجب, ومنها الندب لم يجز أن نقدم عند صدور مجرد أمره لنا على فعل موجبه على وجه الندب أو الإيجاب, لأننا لا نعلم على أي وجه أمرنا به, فإن كان أمرنا به على سبيل الإيجاب ففعلناه ندبًا لم نكن موافقين له ولا متبعين له, وكذلك إذا أمرنا به ندبًا ففعلناه على سبيل الوجوب كنا له بذلك مخالفين غير متبعين لأمره فيجب لا محالة التوقف في مجرد أمره على بيان الوجه الذي صدر عليه لتصح لنا موافقته, وبطل التعلق بالظاهر.