ورمى جميع المتكلمين بقلة الدين فقال:"ولم أر متكلما في مدة عمره بكى خشية، أو دمعت عينه خوفًا، أو أقلع عن كبيرة رغبة، يتناظرون مستهزئين ويتحاسدون متعصبين، ويتلاقون متخادعين، ويصنفون متحاملين، جذ الله عروقهم، واستأصل شأفتهم، وأراح البلاد والعباد منهم، فقد عظمت البلوى بهم، وعظمت آفاتهم على صغار الناس وكبارهم، ودب داؤهم، وعسر دواؤهم، وأرجو أن لا أخرج من الدنيا حتى أرى بنيانهم متضعضعا، وساكنه متجعجعًا".
أفبعد هذا يقبل لأبي حيان قول؟ لأن أظن أحدًا يعلم حاله حق العلم يصدقه فيما يقول.
وكتب الباقلاني كلها دليل ساطع على عظم فريته على الباقلاني.
فالخرمية التي اتُهم بها الباقلاني فرقة مبتدعة، لا يعدها أحد من مؤرخي الفرق من زمرة المسلمين، لأنها تستحل كل محرم، وتذهب إلى شركة الناس جميعًا في الأموال والنساء، ويجتمع رجالها ونساؤها في ليال ويعكف كل واحد منهم على المرأة التي اتفق جلوسها بجانبه. ويدينون بألوهية بابك الخرمي. ولا أدري كيف يكون الباقلاني من هذه الفرقة ويخفي أمره على جميع الناس عدا أبا حيان. وكيف يتركه حساده المتربصين به، ولا يرفعون أمره للسلطان فيهدر دمه ويصلبه كما فعل ببابك الخرمي. ففرية أبي حيان على الباقلاني فرية مفضوحة، لا تستحق كل هذا الاهتمام والرد.
وأما الدوافع على فعل أبي حيان هذا - فيما أظن - هو إشباع نهمه في نهش أعراض المسلمين الذي عليه يجيته. فهو متأس بالحطيئة الذي لا ينطق لسانه إلا بهجاء الناس، فلما لم يجد من يهجوه هجا نفسه.