للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ عَدِمَ الدَّوَاءَ فَالِاسْتِفْرَاغُ الْكُلِّيُّ، وَأَنْفَعُهُ الْحِجَامَةُ لَا سِيَّمَا مَعَ حَرِّ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَإِنَّ الْقُوَّةَ السُّمِّيَّةَ تَسْرِي فِي الدَّمِ فَتُبْعَثُ فِي الْعُرُوقِ وَالْمَجَارِي حَتَّى تَصِلَ إلَى الْقَلْبِ فَيَكُونُ الْهَلَاكُ فَإِذَا خَرَجَ الدَّمُ خَرَجَ مَعَهُ الْكَيْفِيَّةُ السُّمِّيَّةُ، فَإِنْ كَانَ اسْتِفْرَاغًا تَامًّا ذَهَبَ السُّمُّ أَوْ تَقْوَى عَلَيْهِ الطَّبِيعَةُ.

وَإِنَّمَا احْتَجَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْكَاهِلِ وَهُوَ الْحَارِكُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ مَقْدِمُ أَعْلَى الظَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ حَجْمُهُ إلَى الْقَلْبِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَجِمُ فِي الْأَخْدَعَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ وَالْكَاهِلِ وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ» وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ مَنْ احْتَجَمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ» . وَالْمُرَادُ دَاءٌ سَبَبُهُ غَلَبَةُ الدَّمِ وَكَذَا مَعْنَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ مَرْفُوعًا «مَنْ أَهْرَاقَ مِنْ هَذِهِ الدِّمَاءِ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَتَدَاوَى بِشَيْءٍ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «نِعْمَ الدَّوَاءُ الْحِجَامَةُ تُذْهِبُ الدَّمَ وَتُجَفِّفُ الصُّلْبَ وَتَجْلُو عَنْ الْبَصَرِ» وَقَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ عُرِجَ بِهِ مَا مَرَّ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا قَالُوا عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ» وَقَالَ «إنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ» إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنْ كَانَ دَوَاءٌ يَبْلُغُ الدَّاءَ، فَإِنَّ الْحِجَامَةَ تَبْلُغُهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَتَدَاوَوْنَ بِهِ خَيْرٌ فَفِي الْحِجَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد وَعِنْدَهُ " مِمَّا تَدَاوَيْتُمْ " وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْحَجْمِ «هُوَ خَيْرُ مَا تَدَاوَى بِهِ النَّاسُ» وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَا مَرَّ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا أَمَرُوهُ أَنْ مُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ» .

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَلَمَّا احْتَجَمَ مِنْ السُّمِّ بَقِيَ أَثَرُهُ مَعَ ضَعْفِهِ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَكْمِيلَ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَهَرَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْأَثَرِ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إكْرَامَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>