بِالشَّهَادَةِ وَظَهَرَ سِرُّ قَوْله تَعَالَى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: ٨٧] ، فَجَاءَ (كَذَّبْتُمْ) بِالْمَاضِي لِوُقُوعِهِ وَجَاءَ (تَقْتُلُونَ) بِالْمُسْتَقْبَلِ لِتَوَقُّعِهِ كَذَا قَالَ.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا قَالَ: (تَقْتُلُونَ) لِتَوَافُقِ رُءُوسِ الْآيِ وَقَالَ الْمَهْدِيُّ وَغَيْرُهُ: لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَبَدًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] .
وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَتْلِ فَلَا يَرِدُ كَوْنُهُ أُوذِيَ أَوْ أَنَّ الْأَذَى كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوَافِقُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْيَهُودِيَّةِ «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطكِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَيَّ» كَذَا قَالَتْ الْيَهُودِيَّةُ وَالْيَهُودُ: إنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرّكَ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَا رُوِيَ مِنْ وُجُودِ الْأَلَمِ وَانْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنْ السُّمِّ مُرْسَلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ خِلَافُ الْأَشْهَرِ فَالْقَوْلُ بِالْأَشْهَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْلَى مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ.
وَصَاحِبُ الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ: هَذِهِ مَرْتَبَةُ كَمَالٍ قَدْ صَحَّتْ بِهَا الرِّوَايَةُ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْعِصْمَةِ مِنْ الْقَتْلِ بِالْآيَةِ وَالْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالتَّسْلِيطِ وَهَذَا لَمْ يَقَعْ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَحْفُوظٌ آمِنٌ مِمَّا لَمْ يُحْفَظْ مِنْهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَأْمَنْ وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ لَمَّا نَامَ وَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ فَاسْتَيْقَظَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالسَّيْفُ فِي يَدِ الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ تَخَافُنِي؟ فَقَالَ: لَا قَالَ: فَمَنْ يَعْصِمُكَ مِنِّي قَالَ: اللَّهُ» وَلِهَذَا مَاتَ بَعْضُ مَنْ أَكَلَ مَعَهُ مِنْ الشَّاةِ، وَقَصَدَتْ الْيَهُودِيَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute