للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ قِيلَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي ارْتِبَاطِهَا وَاقْتِنَائِهَا كَمَا سَبَقَ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ، وَالْفَضْلُ الْعَظِيمُ وَيَحْصُلُ بِهَا مِنْ النَّفْعِ فِي جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ أَوْ أَفْضَلُهَا مِنْ الْكَرِّ، وَالْفَرِّ وَإِدْرَاكِ الْعَدُوِّ، وَالنَّجَاةِ عَلَيْهَا مِنْهُ وَيُسَمَّ لَهَا فِي الْجِهَادِ وَلَحْمُهَا مَأْكُولٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ، وَالْفَضَائِلِ مَعَ عَدَمِ النَّسْلِ، وَالنَّمَاءِ إنَّمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا مَنْ يَعْلَمُ هَذِهِ الْفَضَائِلَ، وَالْمَنَافِعَ وَمَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ فَلَا يَعْدِل عَنْ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُسْتَقِرًّا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَالْعُقَلَاءِ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْهُ غَالِبًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عَادَةً وَعُرْفًا تَرْجِيحًا مِنْهُمْ لِلْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْمَنَافِعِ الْعُرْفِيَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فَفِيهِ إسْبَاغُ الْوُضُوءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ سَوَاءٌ، وَمَهْمَا كَانَ الْجَوَابُ عَنْهُ كَانَ هُوَ الْجَوَابَ عَنْ إنْزَاءِ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الشَّارِعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ شِفَاهًا اتِّفَاقًا أَوْ لِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ بِحَسَبِ الْحَالِ أَوْ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِشَرَفِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ اخْتِصَاصَهُمْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا وَغَيْرُهُمْ فِي الْحُكْمِ سَوَاءً، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ «لَا تُجَالِسْ أَصْحَابَ النُّجُومِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ عَامٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ فَهُوَ اجْتِهَادٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْ الْحَالَ وَلَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ خِلَافُهُ وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " فَهَذَا يَقْتَضِي عُمُومَ النَّهْي بِلَا شَكٍّ فَكَيْفَ يُخَالِفْ كَلَامَ الشَّارِعِ وَيَتْبَعُ رَأْيَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ لَمْ يَكُونُوا أَقَلَّ خَيْلًا مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ بَلْ كَانَ فِيهِمْ مِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وَدُونَهُمْ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>