الْأَشْيَاءِ وَإِلَّا كَانَتْ مَكْرُوهَةً لَا يُمْتَنُّ بِهَا. وَمِنْ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَكِبَ بَغْلَةً وَاقْتَنَاهَا» فَدَلَّ عَلَى إبَاحَةِ السَّبَبِ وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُتَأَسَّى بِهِ فِي فِعْلِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَتْحِ هَذَا الْبَابِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِيلَادُ حَيَوَانٍ لَهُمْ مُنْتَفَعٌ بِهِ شَرْعًا فَلَمْ يُكْرَهْ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ.
وَلِمَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ أَنْ يُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا الْآيَةُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِامْتِنَانِ هُنَا إبَاحَةُ السَّبَبِ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَإِنْ أَبْدَى دَلِيلًا تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ.
ثُمَّ نَقُولُ قَدْ يَكُونُ هَذَا السَّبَبُ مُحَرَّمًا، وَالِامْتِنَانُ حَاصِلٌ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَطَفَ بِنَا وَرَحِمَنَا إذْ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا هَذَا الْحَيَوَانَ كَمَا أَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا إجْمَاعًا بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ مَا امْتَنَّ بِهِ عَلَيْنَا بِلَا شَكٍّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي السَّبَبِ الْمُحَرَّمِ فَكَيْفَ بِهَذَا السَّبَبِ الْمَكْرُوهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ هَذَا فِي السَّبَبِ الْمُحَرَّمِ هُنَا فَلَا نُسَلِّمُهُ فِي الْمَكْرُوهِ.
وَيَحْسُنُ الِامْتِنَانُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ الْمُكَلَّفُ إلَّا مَا وَسَّعَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ فِيهِ، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ غَيْرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ جَمْعًا بَيْنَ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّعَارُضِ، وَالْإِلْغَاءِ.
وَهَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسُ فَلَا يَلْزَمُ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ كَقَوْلِهِمْ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ فَيَصِحُّ إنْ أُرِيدَ الْجِنْسُ لَا عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ عُمُومِ الْجِنْسِ فَكُلُّ رَجُلٍ لَيْسَ هُوَ خَيْرًا مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ.
وَأَمَّا رُكُوبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَغْلَةَ فَأَضْعَفُ فِي الدَّلَالَةِ لِعَدَمِ الِامْتِنَانِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلسَّبَبِ بِوَجْهٍ وَقَدْ يَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ غَيْرُهَا وَقَدْ يَكُونُ فَعَلَهُ بَيَانًا وَتَعْلِيمًا لِمَنْ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ حُكْمُ هَذَا الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ لَيْسَ وُقُوعُ مِثْلِهِ كَثِيرًا عِنْدَهُمْ لِيَكُونَ حُكْمُهُ مَشْهُورًا لَا يَخْفَى وَقَدْ يَكُونُ فِعْلُهُ بَيَانًا لِجَوَازِ قَبُولِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ، وَالِانْتِفَاعِ بِأَمْوَالِهِمْ وَدَوَامِ ذَلِكَ لِيَشْتَهِرَ فَيَبْلُغَهُمْ يَتَأَلَّفَهُمْ بِذَلِكَ رَجَاءَ خَيْرِهِمْ وَكَفًّا لِشَرِّهِمْ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute