بِأُخْرَى فَلَمْ يُتِمَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعَاءٍ وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» .
قِيلَ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلِهَذَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ الْمُؤْمِنُ يَقْصِدُ فِي أَكْلِهِ وَقِيلَ إنَّهُ يُسَمِّي اللَّهَ فَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الشَّيْطَانُ، وَالْكَافِرُ بِالْعَكْسِ قَالَ الْأَطِبَّاءُ لِكُلِّ إنْسَانٍ سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ الْمَعِدَةُ، ثُمَّ ثَلَاثَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِهَا رِقَاقٌ، ثُمَّ ثَلَاثَةٌ غِلَاظٌ فَالْمُؤْمِنُ لِاقْتِصَادِهِ وَتَسْمِيَتِهِ يَكْفِيهِ مِلْءُ أَحَدِهَا، وَالْكَافِرُ بِالْعَكْسِ.
وَقِيلَ الْمُرَادُ الْجِنْسُ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ سَبْعُ صِفَاتٍ الْحِرْصُ، وَالشَّرَهُ وَطُولُ الْأَمَلِ، وَالطَّمَعُ وَسُوءُ الطَّبْعِ، وَالْحَسَدُ، وَالسِّمَنُ، وَقِيلَ هَذَا فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ قِيلَ لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْكُفَّارَ وَمَنْ أَشْبَهَ الْكُفَّارَ كُرِهَتْ مُخَالَطَتُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَمَا يَأْكُلُهُ هَذَا يَسُدُّ خَلَّةَ جَمَاعَةٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحَاتِ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَهُوَ مِنْ الْعُدْوَانِ الْمُحَرَّمِ وَتَرْكُ فُضُولِهَا هُوَ مِنْ الزُّهْدِ الْمُبَاحِ وَأَمَّا الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلِ الْمُبَاحَاتِ مُطْلَقًا كَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ أَوْ أَكْلِ الْخُبْزِ أَوْ شُرْبِ الْمَاءِ أَوْ مِنْ لِبْسِ الْكَتَّانِ، وَالْقُطْنِ وَلَا يَلْبَسُ إلَّا الصُّوفَ وَيَمْتَنِعُ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا مِنْ الزُّهْدِ الْمُسْتَحَبِّ، فَهَذَا جَاهِلٌ ضَالٌّ إلَى أَنْ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَالشُّكْرِ لَهُ، وَالطَّيِّبُ هُوَ مَا يَنْفَعُ الْإِنْسَانَ وَيُعِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ وَهُوَ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَأَمَرَ بِشُكْرِهِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ قَالَ فَمَنْ أَكَلَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلَمْ يَشْكُرْ رَبَّهُ وَلَمْ يَعْمَلْ صَالِحًا كَانَ مُعَاقَبًا عَلَى تَرْكِهِ مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَلَمْ يُحِلَّ لَهُ الطَّيِّبَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ.
وَلَمْ يَحِلّهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute