للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] الْآيَةَ قَالَ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ الْإِنْسَانُ بِالْمُبَاحَاتِ عَلَى الْمَعَاصِي مِثْلَ مَنْ يُعْطِيَ اللَّحْمَ، وَالْخُبْزَ لِمَنْ يَشْرَبُ عَلَيْهِ الْخَمْرَ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْفَوَاحِشِ قَالَ وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: ٨] أَيْ عَنْ الشُّكْرِ عَلَى النَّعِيمِ فَيُطَالَبُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ شُكْرِ اللَّهِ عَلَى النَّعِيمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَاقِبُ عَلَى مَا أَبَاحَ وَإِنَّمَا يُعَاقِبُ عَلَى تَرْكِ مَأْمُورٍ وَفِعْلِ مَحْذُورٍ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَآيَةُ الْمَائِدَةِ ذَكَرَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِيهَا بَعْضُ الْمُفَسَّرَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهَا. فَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ النَّعِيمِ فَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْكُفَّارِ وَيُعَذَّبُونَ عَلَى تَرْكِ الشُّكْرِ وَقِيلَ عَامٌّ، ثُمَّ النَّعِيمُ هَلْ هُوَ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، ثُمَّ فِي تَعْيِينِهِ نَحْوُ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ الْعُمُومُ فِيهَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فَالْكَافِرُ يُسْأَلُ تَوْبِيخًا لَهُ إذَا لَمْ يَشْكُرْ الْمُنْعِمَ وَلَمْ يُوَحِّدْهُ، وَالْمُؤْمِنُ يُسْأَلُ عَنْ شُكْرِهَا كَذَا قَالَ فَظَاهِرُهُ لَا يُسْأَلُ تَوْبِيخًا وَتَعْذِيبًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْد كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ: وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثٌ لَا أَسْأَلُ عَبْدِي عَنْ شُكْرِهِنَّ وَأَسْأَلُهُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَمَا يُقِيمُ بِهِ صُلْبَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَمَا يُوَارِي بِهِ عَوْرَتَهُ مِنْ اللِّبَاسِ» وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي فَصْلِ تَقْبِيلِ الْخُبْزِ، وَيُوَافِقُ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مَا ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: ١] وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>