للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١] . وَيُحْمَلُ مَا سَبَقَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِبَاحَةُ فِي الْجُمْلَةِ لَا مَعَ السَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ وَحَيْثُ لَمْ يُحَرَّمْ فَمَعْلُومُ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى، وَهَلْ يُكْرَهُ؟ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمُ دَلِيلِهَا وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي فُصُولِ التَّكَسُّبِ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَوْ عَبَسَ الزَّمَانُ فِي وَجْهِكَ مَرَّةً لَعَبَسَ فِي وَجْهِكَ أَهْلُكَ وَجِيرَانُكَ ثُمَّ حَثّ عَلَى الْإِمْسَاكِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِي الْكَرَمِ وَالْبُخْلِ مُتَمَثِّلًا:

قَلِيلُ الْمَالِ تُصْلِحُهُ فَيَبْقَى ... وَلَا يَبْقَى الْكَثِيرُ عَلَى الْفَسَادِ

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَامَةِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ، افْتَقَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ بِالْإِسْرَافِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الْكَرَاهَةُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: ٢٠] .

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِطَيِّبَاتِهِمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ اللَّذَّاتِ مُشْتَغِلِينَ بِهَا عَنْ الْآخِرَةِ مُعْرِضِينَ عَنْ شُكْرِهَا، وَلَمَّا وَبَّخَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ آثَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَالصَّالِحُونَ بَعْدَهُمْ اجْتِنَابَ نَعِيمِ الْعَيْشِ وَلَذَّتِهِ لِيَتَكَامَلَ أَجْرُهُمْ وَلِئَلَّا يُلْهِيهِمْ عَنْ مَعَادِهِمْ.

رَوَى جَابِرٌ قَالَ رَأَى عُمَرُ لَحْمًا مُعَلَّقًا فِي يَدِي فَقَالَ: مَا هَذَا يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: اشْتَهَيْتُ لَحْمًا فَاشْتَرَيْتُهُ، فَقَالَ أَوَ كُلَّمَا اشْتَهَيْتَ اشْتَرَيْتَ يَا جَابِرُ؟ أَمَا تَخَافُ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: ٢٠] .

وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَوْ أَمَرْتَ أَنْ يُصْنَعَ لَكَ طَعَامٌ أَلْيَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>