تَقْدِيمُ الطَّعَامِ إلَى الْإِخْوَانِ وَيُقَدِّمُ مَا حَضَرَ مَنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا يَسْتَأْذِنُهُمْ فِي التَّقْدِيمِ بَلْ يُقَدِّمُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ كَذَا ذَكَرَ.
وَفِي هَذَا الْأَدَبِ نَظَرٌ قَالَ: وَمِنْ التَّكَلُّفِ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سالور عَنْ شَقِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ شَكَّ قَيْسٌ «أَنَّ سَلْمَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَدَعَا لَهُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَوْ قَالَ لَوْلَا أَنَّا نُهِينَا أَنْ يَتَكَلَّفَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ لَتَكَلَّفْنَا لَكَ» . هَذَا الْإِسْنَادُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَدْ يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمِنْ آدَابِ الزَّائِرِ أَنْ لَا يَقْتَرِحَ طَعَامًا بِعَيْنِهِ وَإِنْ خُيِّرَ بَيْنَ طَعَامَيْنِ اخْتَارَ الْأَيْسَرَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مُضِيفَهُ يُسَرُّ بِاقْتِرَاحِهِ، وَلَا يُقَصِّرُ عَنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالْإِجَابَةِ إلَى الدَّعْوَةِ نَفْسَ الْأَكْلِ بَلْ يَنْوِي بِهِ الِاقْتِدَاءَ بِالسُّنَّةِ وَإِكْرَامَ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَيَنْوِي صِيَانَةَ نَفْسِهِ عَمَّنْ يُسِيءُ بِهِ الظَّنَّ، فَرُبَّمَا قِيلَ عَنْهُ إذَا امْتَنَعَ هَذَا مُتَكَبِّرٌ، وَلَا يُكْثِرُ النَّظَرَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الطَّعَامُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ مِنْهُ عَلَى الشَّرَهِ.
وَهَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي فِعْلُ مَا يَدُلّ عَلَى الشَّرَهِ، وَمِنْهُ الْأَكْلُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا دُعِيَ أَكَلَ مَا يَكْسِر نَهْمَتَهُ قَبْلَ ذَهَابِهِ وَلَعَلَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ مَنْ مَضَى مَنْ السَّلَفِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْد الْبَرّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إذَا دُعِيَ إلَى طَعَام أَكْل شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ وَيَقُولُ قَبِيحٌ بِالرَّجُلِ أَنْ يُظْهِرَ نَهْمَتَهُ فِي طَعَامِ غَيْرِهِ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَم يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَال.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِنْ آدَابِ إحْضَارِ الطَّعَامِ تَعْجِيلُهُ وَتَقْدِيمُ الْفَاكِهَةِ قَبْلَ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ أَصْلَحُ فِي بَابِ الطِّبِّ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة: ٢٠] {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: ٢١] . انْتَهَى كَلَامُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute